يحتاج كل مهني خلال مسيرته الوظيفية التواصل مع من يشتركون معه في نفس المهنة لدراسة همومهم وتطوير مهنتهم والتباحث ونشر الجديد وتطوير الأداء ومساعدة الممارسين الجدد للمهنة. ولهذا السبب أُسست العديد من الجمعيات المهنية لتهتم بالمهنة وتطورها ولمتابعة المهنيين وقضاياهم ووضع القواعد وتحديد المعايير وصياغة الخطوط العريضة والتفصيلية لتطوير الأداء ومراقبته ودعم الجودة واعتماده وغيره من البرامج والخطط الموجهة نحو المهنة والأداء المهني وتطويره ومتابعته.
خلال مسيرتي المهنية في عدد من الدول العربية والتي امتدت لقرابة العقدين احتككت بالعديد من الجمعيات المهنية ذات الصلة بمهنتي التي غيرتها ثلاث مرات خلال هذه المسيرة، فقد بدأت حياتي المهنية في المحاسبة والمالية ثم انتقلت إلى التدقيق الخارجي ثم إلى التدقيق الداخلي والرقابة الداخلية، وخلال هذه المسيرة لاحظت الكثير من أوجه القصور الكبيرة في تحقيق الأهداف الرئيسيّة من تأسيس هذه الجمعيات.
بالاطلاع على الأنظمة الأساسية للجمعيات المهنية العربية وبالذات على بند أهداف الجمعية سنجد أنهم يشتركون بالأهداف التالية:
1)المساهمة في تطوير ورفع مستوى المهنة في الدولة والارتقاء بها إلى المستويات العالمية.
2)العمل على رفع جدارة الأعضاء المهنية من خلال تنظيم وعقد الندوات والدورات التدريبية والمؤتمرات المهنية والعلمية وإصدار النشرات الدورية وتنظيم الأنشطة المختلفة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة.
3)مساعدة الأعضاء في إيجاد فرص عمل، وتعزيز التواصل والروابط والتعاون بين الأعضاء.
4)تعزيز التعاون مع المنظمات غير الحكومية والقطاعين الخاص والعام والمنظمات الإقليمية والدولية لتحقيق رؤية ورسالة الجمعية.
5)المشاركة في إعداد مشاريع القوانين الجديدة وفي مشاريع تعديل النصوص الواردة فيها وذات الصلة بالمهنة بهدف تطوير المهنة في الدولة.
6)المحافظة على آداب وسلوكيات المهنة ومبادئها وتقاليدها وتنظيم ممارستها والمساهمة في تطوير ذلك.
7)تشجيع ورعاية البحث العلمي وإعداد الدراسات في المجالات المختلفة ذات الصلة بالمهنة.
وغيرها الكثير...
وبمتابعة بسيطة لأنشطة و "إنجازات" الكثير من الجمعيات سنجد أن أغلب هذه الأهداف لم يتم تحقيقها بفاعلية، وكان أبرز إنجازات أعضاء مجالس إدارتها حضور مؤتمرات وملتقيات مهنية دولية صُرف لحضورها الكثير من إيرادات الجمعية من رسوم اشتراكات الأعضاء الذين انضموا للجمعية سعيا منها لتطوير أنفسهم مهنياً ولتحسين ظروف عملهم.
ومن جهة أخرى يوجد في عالمنا العربي القلة من الجمعيات التي يحق لكل عربي الافتخار بوجودها وكل مهني بالعضوية فيها، فقد نجح بعضها في تنظيم مؤتمرات على مستوى عالمي استقطبت متحدثين عالميين ومشاركين من العديد من الدول، وأخرى نظمت مؤتمرات محلية ودورات تدريبية بدون أي رسوم من أعضائها، وأخرى أصدرت وما زالت تصدر مجلات مهنية علمية باللغتين العربية والانجليزية بدون مقابل، وأخرى ترجمت أمهات المراجع العلمية والمهنية إلى اللغة العربية.
بالرجوع إلى الأنظمة الأساسية لهذه الجمعيات سنجد أن من مسؤوليات مجلس الإدارة إعداد تقارير مالية وإدارية دورية عن منجزات الجمعية وعرضه بشفافية في الجمعية العامة للجمعية، يا ترى كم من أعضاء هذه الجمعيات تسنى له الاطلاع على هذه التقارير؟! ويا ترى كم من هذه الجمعيات أعدت أصلا مثل هذه التقارير؟!
يقول الأستاذ الدكتور حسن عواد السريحي من جامعة الملك عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية - الرئيس السابق للاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات: "إنني أدعوا إلى النظر في جمعياتنا واتحاداتنا وتشخيص واقعها والعمل على تطويره، وهنا أطرح سؤالا وهو: هل تقوم هذه الجمعيات بمختلف مسمياتها ومستوياتها الوطنية والإقليمية والقومية بأدوارها الحقيقية، أم أنها تختفي تحت مظلة المؤتمر السنوي وبعض الأنشطة المتفرقة والمتباعدة وتلتحف بعباءة العمل الفردي وليس المؤسساتي؟"
نحن كمهنيين وأعضاء في هذه الجمعيات علينا واجب كبير في مُسائلة مجالس إدارات هذه الجمعيات عن مدى تحقيق أهداف الجمعية وتحقيق طموحات أعضائها، وعلينا حُسن اختيار من يمثلنا ويكون خير سفير للمهنة.
خاص_الفابيتا