بترورابغ ... مسيرة متعثرة ومستقبل غامض!

23/11/2017 9
د. فيصل الفايق

تم توقيع اتفاقية شراكة بين شركة أرامكو السعودية وشركة سوميتومو كيميكال اليابانية لتأسيس مشروع بترورابغ بهدف بناء مجمع متكامل للتكرير والبتروكيماويات في شهر أغسطس عام 2005 (يعد الاول من نوعه في الشرق الأوسط) وذلك بتحديث وتوسعة مصفاة أرامكو السعودية في رابغ وإنشاء مجمع للبتروكيماويات، بخطة لإستثمار ما يقارب 10 مليار دولار، شكلت حصة "سوميتومو كيميكال حينها أكبر استثمار أجنبي على الإطلاق في المملكة العربية السعودية.

تم إدراج شركة بترورابغ في السوق المالي السعودي للمساهمة العامة في شهر يناير عام 2008، حيث تم طرح %25 من أسهم الشركة للإكتتاب العام وأحتفظ الشريكان بنسبة %37.5 لكل منهما. وفي شهر أكتوبر عام 2008 قامت شركة أرامكو السعودية بنقل ملكية مصفاة رابغ إلى شركة بترورابغ، وبدأت عمليات الإنتاج بعد اكتمال مجمع بترورابغ في شهر إبريل عام 2009.

بعد هذه المقدمة، نأتي الآن لتحليل النتائج المالية لهذه الشركة ومعرفة مدى نجاحها:

نرى اليوم أن سعر سهم شركة بترورابغ مخيب لأمال المستثمرين؛ حيث يتم تداوله بسعر أقل من سعر الاكتتاب. كذلك نرى أن نتائج الشركة المالية تتراوح بين الخسارة وبين الأرباح المخجلة، حيث بلغت أرباح الشركة العام الماضي 2016، أي بعد أحد عشر عاماً من تأسيسها مبلغ 8 مليون ريال سعودي فقط ما يمثل نسبة %0.002 تقريبا من قيمة الاستثمار. ربما نستطيع أن نجد عدد من النشاطات التجارية المساهمة والفردية تستطيع تحقيق مدخول أعلى باستثمار ابسط. كما بلغت صافي النتائج خلال الثماني السنوات الماضية خسائر تقدر ب 380 مليون ريال سعودي.

في الربع الرابع من عام 2013 حققت الشركة أرباحا قياسية جاوزت 1.2 مليار ريال لأول مرة في تاريخ الشركة. وعند العودة للتقرير المالي نجد أنها أرباح "غير تشغيلية". وكما ورد بالبيان "ان الترتيبات التجارية الجديدة مع الشركاء المؤسسيين والتي قدرت بمبلغ 1.2 مليار ريال سعودي (ممكن الرجوع إلى القوائم الربع سنوية)، حيث دفعت التسوية المتفق عليها مع الشركة المزودة للكهرباء، وهي شركة رابغ العربية للمياه والكهرباء المحدودة (راوك)، وقدرت التسوية بمبلغ 750 مليون ريال. وهنا يأتي السؤال المهم: ماهي هذه الاتفاقات التجارية التي تستطيع توفير مبلغ يتجاوز مليار ريال وهل هناك مصادر نزف أخرى لصالح الشركاء المؤسسين؟ ربما يصعب إيجاد جواب لهذا السؤال خاصة وأن الشريكين متمسكان بجميع المناصب الإدارية العليا بالشركة. وهذا يعني أن موظفي بترورابغ لايعهد إليهم بوظائف إدارية عليا!

من ناحية أخرى، تعاقبت عدة إدارات على شركة بترورابغ وكل منها تهدم عمل من قبلها وتبدأ من الصفر، مما أفقد الشركة اتزانها وتسبب في عدم وجود هوية واضحة ورؤية استراتيجية. وهذا يوضح أهمية وجود مناصب عليا من موظفين شركة بترورابغ يدعمون الاستقرار والاستدامة!

لا نستطيع أن نجزم أنه كان هناك هدر مالي أو سوء إدارات سابق يتطلب المساءلة والمحاسبة وفتح الملفات التي أغلقت او علقت! ولكن لابد من ان نتعلم من الأخطاء السابقة لكي نتفاداها في مشاريعنا المشتركة القادمة؟! وايضا نسأل عن دور مجلس الادارة في تلك الفترة؟! هل كان فعال؟! أم هل فشل في تشخيص الأزمة وحلها كما ينبغي؟! وهل التقارير الناتجة عن اجتماعات مجلس الادارة كانت تعكس واقع الشركة الحقيقي؟!  بما ان الشركة مدرجة في السوق المالي السعودي، إذا أين هي الشفافية؟!

وبالعودة الى الحاضر المبشر بالخير نجد أن الشركة بدأت تحقق نتائج إيجابية خلال الربعين الثاني والثالث من هذا العام 2017، حيث حققت الشركة 706 مليون ريال في الربع الثالث كأعلى أرباح تشغيلية منذ تأسيسها. كما نلمس حالة من الرضا لدى الموظفين على غير العادة. حيث أطلقوا وسما في مواقع التواصل الاجتماعي يشكرون رئيسهم التنفيذي الجديد الذي يبدو انه استطاع تحسين الجو العام، واستمرارية الإنتاج من خلال وعود بمكافآت تشجيعية ينتظر أن تتحقق على أرض الواقع. كما أن الشركة مشرفة على فترة تشغيل مصانع المرحلة الثانية، والتي من المفترض أن تحسن من نتائجها المالية في الربع الأخير والسنه القادمة لمواصلة الشركه في تحقيق الأرباح بمشيئة الله!

اذا هناك مؤشرات إيجابية تلوح في الأفق عن مستقبل الشركة، أتمنى ان تستثمر الشركة هذه البوادر لغد أفضل وأن تملك الشجاعة للإفصاح عن اخطائها الماضية وتصحيحها، خاصة وأننا في مرحلة تصحيح شامل سوف تشمل إفصاح وشفافية اكثر من الشركات لمستقبل أفضل بعد ان عززت رؤية 2030 قوة وموقف الجهات الرقابية!

ولعلنا نذكر أن برنامج التحول الإستراتيجي الذي بدأته أرامكو السعودية عام 2009 أو مايسمى (Acceleration Transformation Program (ATP)، نص على أنه وبحلول عام 2020، ستكون أرامكو السعودية واحدة من أكبر شركات البتروكيماويات في العالم. والآن نحن قربنا من نهاية عام 2017 ولَم يبقى سوى ثلاث سنوات على هذا الحلم، وشركة بترورابغ أحد أهم ركن لصانعة البتروكيماويات لأرامكو السعودية مع شركة صدارة والتي قد تحتاج إلى عقود كي تغطي تكاليف إنشائها.

تعديل خطة التحول الوطني ضرب أروع الأمثلة لتصحيح الأخطاء والاعتراف بها لطريق ناجح ومستقبل مزدهر بمشيئة الله! ولكن برنامج التحول الاستراتيجي لأرامكو السعودية عام 2009 لم يأخذ بالاعتبار تقلبات أسعار النفط، والذي يعتبر المحرك الرئيسي لأنشطة الشركة، على أساس ان هذا التحول الاستراتيجي وخلال الخمس السنوات الأولى من العمل على تنفيذ الخطة زاد عدد موظفي أرامكو السعودية من 53 الف موظف عام 2009 الى حوالي 65 الف موظف عام 2015 وهذه الزيادة لا تتناسب إطلاقا مع التوسع الانتاجي للشركة. إضافة لذلك فقد زاد عدد الموظفين الأجانب من %11 إلى %19 من اجمالي عدد الموظفين خلال هذه الفترة بينما كانت هذه النسبة تتناقص كل عام قبل وضع هذه الخطة (من %22 عام 2000 الى %11 عام 2009) ، جدير بالذكر أن جميع الموظفين الغير سعوديين والذين تم تعيينهم خلال فترة تنفيذ خطة التحول الاستراتيجي لأرامكو السعودية لايعملون في خطوط الانتاج مما يشير الى عدم الحاجة لمثل هذا العدد من الموظفين الزائد عن الحاجة!

إضافة لذلك فإن عملية توظيف هؤلاء الأجانب خلال فترة التحول الاستراتيجي لم تكن حسب المعايير والكفاءات المطلوبة حتى تتناسب مع متطلبات الشركة مقارنة بالشباب السعودي ذوي الكفاءات العالية، وأكبر دليل على فشل توظيف غير السعوديين أثناء فترة التحول الاستراتيجي، هو أنه في ديسمبر عام 2016 تم إنهاء خدمة عدد كبير منهم من جميع قطاعات الشركة بتسويات مكلفة جدا! وهذا يعكس نقاط الضعف التي تم الاعتماد عليها عند وضع الخطة وخلال تنفيذها مما أدى إلى تكدس وظيفي للأجانب!

إضافة لهذا الهدر المالي فقد تم إبرام عشرات العقود الاستشارية بمبالغ خيالية مع شركات استشارية عالمية والتي يعتمد مستشاروها على اسم الشركة (البراند نِيمْ) وليس على واقعية ومنطقية تناسب مخرجات العمل المطلوب تنفيذه.



خاص_الفابيتا