العمار قد يجعل العاقل أحمق!

22/11/2017 7
عبدالله الجعيثن

يقول المثل (العمار قطعة من نار)! والذين جرّبوه ذاقوا بعض ناره! ويزيد لهيب النار كلّما كبرت الدار! و كلّما فُتِنَ العامر بالمظاهر! بعض العقلاء يُحَوّلهم العمار إلى حمقى! فالأرض كبيرة! والمبنى فوق الحاجة بأضعاف! مجالس كبيرة مهجورة! وصالات تعوي فيها الرياح! مفتوحة من الأرض للسقف! ارتفاع شاهق! ومساحة مخيفة تستعصي على التكييف والتنظيف! ويلزمها من المبالغ والأثاث والنوافذ الكبيرة والستائر العالية الغالية ما لا يلزم! ثم تصبح عبئاً على البيت وسُكّانه ! تعوي فيها الرياح وتتصافق الأبواب ويُوحش الفراغ:

تجري بها الرياح حسرى مولّهةً حيرى تلوذُ بأطراف الجلاميد

كما قال الشاعر في وصف الصحراء! (راحت السكرة وجاءت الفكرة) على رأي المثل! أثناء العمار يشتغل الخيال ويشتعل! وقد يُزيِّن لصاحبه سوء عمله فيراه حسناً! يجعل المبنى واسعاً شاسعاً فوق الحاجة! وهو مُعجب به قبل أن يسكن! فإذا سكن أفاق من خياله وحسَّ أنه أسرف وأتلف ماله! وأنّ الصرف على هذا البيت الواسع مستمر! فكل زيادة في الأمتار زيادة في فواتير الكهرباء والماء والخدم! وهي زيادة مستمرة ومتصاعدة! ومصاريف غير مرنة! هذا الكلام موجّه لمن يُبالغ في مساحة الأرض والمبنى! وهم كثيرون! والمسألة نسبية وثقافية! وأثرياء الغرب يسكنون في شقق مساحتها مئة متر! وأكثرنا يريد (فللاً) ذات حدائق ومرافق ومجالس للرجال وأخرى للنساء! يريد أن يجعل كل ما يريد في بيته! وزعماء المافيا وحدهم من يجعلون كل ما يريدون في بيوتهم! لأنهم مُطاردون لا يستطيعون الخروج! أما نحن فأحرار نخرج متى نشاء! وعندنا حدائق عامة لا نستخدمها! واستراحات للإجار أثناء العزائم الكبيرة والنادرة الآن! فلماذا نُسرف في العمار ونُتلف الأعصاب والمال؟!

وهذا ابن المعتز وهو ابن خليفة وأخو خليفة مَلَكَ الأموال الهائلة ويروي تجربته المرّة

مع العمار حين كبَّر المبنى وأسرف في الصرف (مع قدرته الهائلة!).. يقول:

أَلَا مَنْ لنفسٍ وأحزانِها ودارٍ تداعت بحيطانِها!

أَظَلُ نهاريَ في شمسها شقيّاً بإلقاء بنيانها!

أُسوِّد وجهي بتبييضها وأهدمُ كيسي بعمرانها!

نقلا عن الرياض