ليلة «علي بابا» التاريخية

21/11/2017 0
جمال بنون

لا أعرف كيف نام مالك موقع التسويق الإلكتروني علي بابا السيد «جاك ما» الأحد الماضي، بعد أن حققت شركته أعلى مبيعات في يوم واحد بلغت 25.4 بليون دولار. بالفعل كانت أرباحاً صاعقة كما وصفها المراقبون الاقتصاديون. ربما لم ينم تلك الليلة من فرحته، فالرقم الذي حققته مبيعات شركته في يوم واحد يعتبر رقماً قياسياً وإنجازاً لم يسبقه أحد، وربما الكثير من الشركات والمصانع في دول أخرى لا تحقق مبيعاتها السنوية هذا الرقم.

تخيلوا هذا الرقم يدخل في حسابات شركة تملك مركز تسوق إلكتروني، لا محال ولا مصاريف موظفين ولا حتى دفع إيجارات، ولم يكن في خلد جاك ما أن شركته التي أسسها قبل 18 عاماً وبالتحديد في يونيو 1999 في إحدى الشقق الصغيرة في مدينة هانغتشو الصينية، تحت اسم «علي بابا» بمشاركة أصدقائه الـ17، أنها ستصبح إحدى أكبر الشركات في العالم التي تستحوذ على جزء كبير في سوق «التسوق الإلكتروني»، وتنافس شركات كبرى مماثلة لها في النشاط مثل «أمازون» و«إي باي» و«وول مارت»، إلى جانب العشرات من مواقع التسوّق الإلكتروني التي ظهرت في دول العالم وحتى في بعض البلدان العربية.

شركة علي بابا، التي أسسها جاك ما، كتب لها النجاح والاستمرار، إذ وجدت بيئة العمل المناسبة لتنطلق، وها هي تضاهي الشركات الكبرى، وقبل ثلاثة أعوام حينما، طرحت الشركة أسهمها في أسواق نيويورك، وصل السعر إلى نحو 70 دولاراً للسهم، نتيجة ازدياد الطلب عليها، ولعل من أهم أسباب نجاح «الشركة» على مستوى العالم، أن مبيعاتها في الصين تبلغ 80 في المئة، ما يعني أنها سعت إلى كسب السوق المحلية أكثر من السوق الخارجية، بصرف النظر عن أن الصين ذات كثافة سكانية واستهلاكية عالية، إنما نجاح أي مشروع يبدأ من السوق المحلية، وبعدها تحقق السمعة والمكانة العالمية، فشركة علي بابا لم تبحث عن الأسواق الخارجية وتترك السوق المحلية، كما أنها ليست شركة تبيع للأفراد فقط، بل هي شركة تهدف إلى تسهيل التجارة بين الشركات والأفراد والتجار، ووفق مجلة «ذي إيكونومست»، فإن قيمة الشركة تراوح بين 55 بليون دولار و120 بليون دولار.

السيد جاك ما أحد الشخصيات الاقتصادية التي تنبأت بواقع حال التسوّق، كغيره من المستثمرين ورواد الأعمال الذين يقرؤون المستقبل ويتنبؤون بفرص الاستثمار وتوجهاتها وبوصلتها في العالم، وقد يكون محظوظاً أن يوم العزاب الذي احتفل به الصينيون الأحد الماضي هو من رفع مبيعات الشركة إلى مستويات عالية وقياسية، إلا أننا يجب أن نؤمن بأن الخدمة الجيدة وثقة العملاء والصدقية مسائل مهمة في التعامل الإلكتروني.

في يومها «الخالد»، استعانت الشركة لتلبية الطلبات الإلكترونية بـ 1.7 مليون مندوب، إلى جانب 400 ألف سيارة وأكثر من 5 آلاف مخزن، واستعانت كذلك بـ200 طائرة لإيصال طلبات عملائها وزبائنها. أن تكسب ثقة الزبائن هو المكسب الكبير.

الإقبال على التسوق الإلكتروني سيرتفع بشكل لافت، وربما في المستقبل لن نجد مراكز تسوّق على أرض الواقع، وربما ستجد الكثير من المحال تختفي أو تغلق، وفي كثير من البلدان العربية أصبحت مراكز التسوّق الكبرى هي لممارسة رياضة المشي في صالة مغلقة مكيفة، أو أماكن لتناول الطعام، أو أماكن ترفيهية للأطفال. لم يعد لدى الناس المزيد من الوقت ليضيعوه لأجل شراء قميص جديد أو فستان وصل حديثاً، جهاز الهاتف الذكي والتطبيقات الجديدة ومواقع التسوّق الإلكتروني أصبحت تسرق المتسوقين الذين كانوا يمضون أو قاتاً طويلة، إنما الآن أصبح بضغطة زر يمكنه أن يشتري أو يلغي أو يعيد في حال لم يعجبه، بل حتى استرجاع ماله بعد الشراء.

في الأوطان العربية مازالت تجربة التسوق الإلكتروني حديثة، لصعوبة الإجراءات والتراخيص اللازمة، وعدم وضوح الرؤية تجاه مثل هذا النشاط، ولعدم وجود جهة منظمة، إذ تكثر حالات النصب والاحتيال، وهناك 20 في المئة من السعوديين تعرّضوا للنصب والاحتيال عبر تطبيقات ومواقع إلكترونية، لجهلهم باستخدام التقنية.

يتوقع أن ترتفع مبيعات التجارة الإلكترونية إلى أكثر من 15 بليون دولار عام 2020، قد تكون الصين محظوظة بالكثافة السكانية لديها، ومن الطبيعي أن تكون أميركا إحدى أهم الأسواق التي تنتشر فيها التجارة الإلكترونية، أما في الأوطان العربية فهي لا تزال ناشئة وحديثة، واستخدام التقنية والتكنولوجيا في بداية عهدها، وربما تكون السعودية والإمارات والأردن من الدول العربية المتقدمة في مجال تطوير التجارة الإلكترونية وبناء بنيتها التحتية، إلا أن وعي المواطن لا يزال حديثاً، وهذا يعود إلى ضعف البرامج التوعوية، وعدم بناء وعي استثماري لدى الشباب، فمعظم المشروعات التي أعلن عنها هي تخص شركات حكومية وأجنبية، ولم تفسح المجال أمام شركات شبابية أو تدعمها بالمال والرعاية، حتى البنوك تقف دون حراك في تمويل أو إسهام، وهذا أمر يدعو للاستغراب، فالبنوك في السعودية من أكثر البنوك التي لديها سيولة وأرباح غير مستغلة، لأن معظم المتعاملين معها، لا يستفيدون منها، يكتفون بإيداع أموالهم، فيما تحقق المصارف أرباحاً وعوائد تشغيلية عالية، تنفق منها بعشوائية في مجال المسؤولية الاجتماعية، ولا تتعامل مع المستثمر على أنه مشروع تجارة، بل تتعامل معه كمقترض يجب أن يكون موظفاً ويخصم شهرياً من راتبه.

الأمر الآخر الذي يجب أن تلتفت إليه الجهات الحكومية، هو سرعة إجراءات التراخيص لمواقع استثمارية إلكترونية، وتخفف من الشروط التعجيزية، مثل الشهادات الجامعية والتخصصات، فالمواقع الإلكترونية عليها بالمحتوى وسلامة التعامل. المشكلة في المؤسسات الحكومية في البلدان العربية كثيرة التعقيد والأوراق والطلبات، بل تضع من العراقيل ما يجعل الكثيرين يهربون منها إلى دول أخرى وبلدات بعيدة لإنشاء سوق إلكترونية، وتحقق مبيعات وعوائد مالية، وحينها تفغر المؤسسات الحكومية فاهها استغراباً وتعجباً، وهي تسأل لماذا لا يحب المستثمرون أوطانهم؟ بينما هي من تقتل صغار المستثمرين وتطردهم بقوانينها المتعجرفة.

نقلا عن الحياة