أطلقت ألمانيا قبل عقود مفهوم الثورة الصناعية الرابعة، الذي يعتمد على التطور التقني؛ إذ يتقلص الاعتماد على العنصر البشري في مقابل استخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات وإنترنت الأشياء، بل إن المشاركين في مؤتمر دافوس الماضي وصفوها بأنها «تسونامي التقدم التكنولوجي الذي سيغير في الكثير من تفاصيل الحياة البشرية».
إن التحول العالمي السريع نحو إنتاجية تعتمد على الروبوتات والبرمجيات المتقدمة التي تحاكي التفكير البشري سيكون له آثار ضخمة، من أهمها فقدان نحو مليارَي وظيفة تقليدية لصالح استخدام الآلات الذكية، وهو ما سيزيد في الإنتاج، ويقلص التكاليف، ويرفع التنافسية عالميًّا؛ ما يعني أن الاستعداد لمواجهة هذا التغير الجذري في الصناعة يبدأ من التعليم؛ فلا مجال أمام قطاعنا الصناعي إلا أن ينتقل لاستخدام أحدث التقنيات، ويتماشى مع هذا الجيل الرابع من عصر الصناعة؛ لكي يتمكن من المنافسة محليًّا وعالميًّا، ويقلص من الاعتماد على العمالة لصالح أعداد أقل من القادرين على تشغيل تلك الآلات الحديثة بمختلف التخصصات، وخصوصًا البرمجة والرقابة.
إن ما يتحتم على وزارة التعليم بكل المراحل التي تشرف عليها من تعليم عام وعالٍ ومهني أن تضع الخطط لتغيير جذري بمنهجية التعليم؛ ليتماشى مع التغير العالمي الذي بدأ وأصبح واقعًا، وسيكون هو السمة العامة للصناعة عالميًّا من خلال التطور التقني الهائل، وإلا فإن أعداد العاطلين بين شبابنا ستزداد رغم حصولهم على مؤهلات علمية عالية، لكنها لا تتواءم مع التطور التقني العالمي ومتطلبات قطاع الأعمال والصناعة خصوصًا؛ وهو ما يعني ضرورة وضع خطط تغيير شاملة، ليس في المناهج فقط بل في الأدوات والوسائل التعليمية وفي المراحل كافة، مع التركيز على زيادة القبول في التخصصات العلمية والهندسية والتقنية بنِسَب عالية، تفوق 35 % على الأقل من خريجي الثانوية العامة.
وزارة التعليم أمامها فرصة ذهبية للتحول نحو مرحلة تعليمية، تخدم الاقتصاد الوطني بتغيير جذري، يبدأ من وقتنا الحالي لمواكبة آفاق الجيل الرابع من العصر الصناعي وما يدعمه من تطور تقني سريع وشامل؛ ما سيرفع من كفاءة الإنفاق على التعليم؛ ليكون رأس المال البشري هو عماد نجاح رؤية المملكة 2030 م، وخصوصًا أن كل المراحل التعليمية باتت تتبع الوزارة؛ ما ييسِّر عليها التخطيط والتنسيق والتنفيذ للتحول التعليمي المطلوب للاستثمار في المستقبل.
نقلا عن الجزيرة