في يوم الثلاثاء 24 أكتوبر، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن مشروع نيوم، في حدث استثنائي وامام حشد من اهم الرؤساء التنفيذين وأكبر مدراء الاستثمار حول العالم وصانعي القرار، بشكل من الصعب ان يجتمعوا في مكان واحد ويقدر عددهم بأكثر من 3500 ضيف، ليتم اعلان واستعراض المشروع من قبل رأس الهرم في قيادة التغيير وصنع المستقبل للسعودية ليعطي الانطباع المطلوب بشكل واضح وقوي لعزم السعودية لإنجاح وخلق هذا المشروع من الصفر.
وبالفعل حجم الصدى والذهول الأولي لهذا الإعلان كان بارزا وبالشكل الذي خطط له، وليستمر التفاعل حتى هذه اللحظة واتوقع ان يستمر فترة أطول وما زالت تصدر التحليلات والتوقعات حول المشروع وتتفاوت الآراء بين مشكك وبين متفائل وهذا طبيعي جدا لمشروع بحجم وبفكرة نيوم غير التقليدية.
لا بأس بالتشكيك والنقد وهو امر صحى ومهم لتحسين وتطوير العمل لكن ومما لاحظت (وللأسف من داخل السعودية) من يشكك من ناحية عدم قدرة المملكة لإنجاز مشروع بمثل هذا المشروع الضخم، بحجة عدم نجاح المشاريع المماثلة (حسب رأيهم) في تحقيق الأهداف المرسومة او عدم القدرة على تشغيلها، طبعا هم يستحضرون مشاريع مثل مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ومركز الملك عبدالله المالي، نقدى وردي على هذا الرأي من نقطتين أساسيتين: الأول انه هذه المشاريع تختلف من ناحية الملكية وجهة الإدارة عن ما سوف يحصل لمشروع نيوم، حيث ملكية وادارة مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ترجع الي القطاع الخاص بالكامل وليس للحكومة علاقة بها ابدا، اما مشروع مركز الملك عبدالله المالي فيرجع ملكيته الي جهة تعتبر شبه حكومية وطريقة الدعم والتمويل والإدارة تختلف تماما عما سوف يحدث في نيوم.
ثانيا، لا اعلم لماذا عند استحضار النماذج والتي حسب رأيهم فاشلة او متعثرة او لم تحقق الأهداف، لا يتم استحضار الا ما يدعم رأيهم ويتم اغفال واهمال النماذج الناجحة (سواء عمدا او بغير عمد)؟ نعم هنالك نموذج لإدارة مشاريع مدن متكاملة ناجحة بكل المقاييس وهي مدن هيئة الجبيل وينبع الصناعية، وحسب رأيي الشخصي هي النموذج الأقرب لمشروع نيوم، وذلك من عدة نقاط أولها ان هيكل الملكية متشابه مع نيوم حيث الحكومة وعبر أحد مؤسساتها هي من تملك هذا المشروع وتموله بشكل أساسي مع الاخذ في الاعتبار ان نيوم سوف يختلف بشكل ما بسبب دخول القطاع الخاص لكن تظل الحكومة وعبر صندوق الاستثمارات العامة هي المالك الأساسي والممول الرئيسي.
ثانيا وجود نموذج محدد لهذا المشروع عبر الاستثمار في التقنية، التنقل، الطاقة، الغذاء، التقنيات الحيوية، التصنيع المتطور، الاعلام والترفيه وهذا الي حد ما يساعد على نجاح المشروع وهو ما حصل مع مدن الجبيل وينبع الصناعية حيث نموذج العمل واضح.
لكن ورغم ما ذكرت من نقد للرأي المشكك ومن زاوية محددة، لا يعنى ذلك ضمان نجاح المشروع او سهولة تحقيقه، حيث ان التحديات كبيرة امام مثل هذا المشروع من ابرزها: المراهنة على التقنية واستجلابها والاستثمار في تقنيات ونماذج عمل قد لا تثبت انها مناسبة او ملائمة لطبيعة او اهداف المشروع او كفاءتها امام التغيرات المتسارعة في هذا المجال، كذلك المراهنة على تدفق الاستثمارات الأجنبية يحمل تحديات يجب التركيز عليها والعمل المكثف مع المستثمرين لتذليل وتطويع الأنظمة لتتلاءم مع المتطلبات، توفير التمويل الضخم اللازم لبدء المشروع وتحقيق استدامة مالية تضمن نجاح النموذج الاقتصادي له.
اعتقد ان المشروع يملك اهم ثلاث عوامل تساعده للنجاح وهي: المكونات الطبيعية، حيث تملك منطقة تبوك (وهي المركز الرئيسي لنيوم) مصادر ومقومات طبيعية فريدة تبدأ من الرمال الغنية بالثروات الطبيعية ومن الجبال الخلابة وكذلك الجبال البركانية ثم الشواطئ البكر ذات المناظر الساحرة (والتي سبق وان أطلقت عليها في مقال سابق مالديف السعودية) والجزر الكثيرة غير المستغلة، بالإضافة الي كل ذلك تتوزع الكثير من المناطق الاثرية حول المشروع لتعزز صناعة السياحة بجميع اشكالها وتعزيز أسلوب الحياة الفريد لمشروع نيوم.
من عوامل نجاح المشروع توفر جزء من التمويل او القدرة على توفير التمويل، بما ان ملكية هذا المشروع سوف تعود الي الصندوق وهو حسب تقديراتي الشخصية سوف يستطيع جمع مبالغ ضخمة خلال الثلاث سنوات القادمة عن طريق متحصلات بيع حصة من أرامكو ومن خلال متحصلات مشاريع الخصخصة الضخمة وغيرها من المبادرات التي سوف تدر الكثير من العوائد على الصندوق، وغير كل ذلك، يستطيع الصندوق وبشكل مستقل عن الحكومة الاقتراض من الأسواق العالمية بكل سهولة، لذلك التمويل في البداية سوف يكون موجود وحاضر لكن وكما ذكرت في التحديات المهم استمراره واستدامته.
ثالثا وأخيرا وجود الدعم الكامل وغير المحدود من قبل عراب الرؤية وعراب هذا المشروع الأمير محمد بن سلمان فلا يمكن المجازفة في مشروع بهذا الحجم من دون الدعم الكامل له من قبل رأس الهرم.
ختاما اود الإشارة الي الدهاء في نقل ملكية وإدارة هذا المشروع الي صندوق الاستثمارات العامة والبدء فيه من الصفر والذي فيه بعد نظر وفهم للمصاعب التي تواجه تنفيذ المشاريع التي تتقاطع مع الأجهزة الحكومية الأخرى المختلفة والتي تحمل معها الكثير من البيروقراطية القاتلة والعقبات المصطنعة، لكن ومع إعطاء صلاحية كاملة الي الصندوق والبدء من الصفر مع التركيز على تأهيل الكوادر داخل الصندوق سوف تسرع وتزيد من نجاح المشروع، وهذا يعود بنا مرة أخرى الي المقارنة مع نجاح تجربة المدن الصناعية لهيئة الجبيل وينبع، ان نجاح مشروع نيوم لهو بكل تأكيد تتويج لمشاريع الرؤية والرد على كل مشكك وفيه تحقق الدولة اكثر من هدف منها الابتعاد عن الاعتماد على البترول، تطوير الشاب السعودي واستغلال مكونات كانت معطلة، وان من المفارقة ان تحاول السعودية تشكيل وصنع مدينة المستقبل للإنسانية والروبوتات في ما يعتبر اقدم مواقع العالم للحضارة الانسانية في العالم ومهد الإنسانية وحسب المثل الشعبي ليالي العيد تبان من عصاريها اليوم نقول ليالي المستقبل تبان من نيوم.
انت لسا فاكر !!
انفخ ياشريم - قال : ماش برطم