الأهمية الاقتصادية للبحث والتطوير

02/10/2017 1
د. عبدالله الردادي

حين تتساوى العلوم والعقول بين دول العالم، تتباين القدرة الاقتصادية فيما بينها بحسب امتلاكها للموارد الطبيعية فحسب، فالدول الأغنى بالموارد الطبيعية تكون أقوى اقتصاديا من دون أدنى شك. إلا أن العقول والعلوم لا تتساوى بين دول العالم، وهناك دول فقيرة من الموارد الطبيعية، إلا أنها تمتلك اقتصادات تضاهي بها كبريات دول العالم، ويعود ذلك لتفوقها بالعلوم والعقول عن هذه الدول.

ويعود هذا التطور والتفوق بالعلوم بلا شك إلى استثمارات هذه الدول في البحث والتطوير. وتشير الدراسات إلى أن البحث والتطوير يرتبط ارتباطا إيجابيا وثيقا بالنمو الاقتصادي. وأن الزيادة بنسبة 1 في المائة في البحث والتطوير، يقابلها زيادة بنسبة 0.61 في المائة في النمو الاقتصادي. ولهذا فإن الدول قد تستعيض عن الموارد الطبيعية المنتهية، بإنتاج العقول اللا-منتهي، وهو ما جعل دولا كاليابان أو كوريا الجنوبية، تتفوق اقتصاديا على دول غنية بالموارد الطبيعية كالدول الأفريقية أو دول أميركا اللاتينية.

وتتصدر كوريا الجنوبية دول العالم في الإنفاق على البحث والتطوير، بنسبة تبلغ 4 في المائة من مجموع الناتج القومي، وتأتي بعدها اليابان بنسبة 3.4 في المائة ومن ثم الولايات المتحدة بنسبة 2.8 في المائة. ويبلغ المعدل العالمي للإنفاق في البحث والتطوير ما يقارب 2.4 في المائة. وبالنظر إلى إنفاق كوريا الجنوبية في البحث والتطوير، يسهل معرفة سبب التطور الاقتصادي المذهل لهذا البلد، ففي حين زاد معدل الناتج القومي بين عامي 2000 و2012 مرة ونصفا على الأقل، زاد إنفاق كوريا الجنوبية من 2 في المائة إلى 4 في المائة خلال هذه المدة. وتمكنت كوريا الجنوبية خلال هذه الفترة من الاستفادة العملية لأبحاثها في تصدير منتجات تنفرد بها عن غيرها من دول العالم. في حين يرى الكثير أن التفوق الصناعي لليابان على الولايات المتحدة في السبعينات، يعود إلى انخفاض معدل الإنفاق الأميركي على البحث والتطوير، مما سبب تفوقا تقنيا لليابان آنذاك عاد بنتائجه على تفوق المنتجات اليابانية على نظيرتها الأميركية.

وبالنظر إلى الدخل القومي للمملكة العربية السعودية، ومقارنة بمعدل الإنفاق العالمي للبحث والتطوير، يُرى أن معدل الإنفاق السعودي على البحث والتطوير يجب ألا يقل عن 16 مليار دولار سنويا.

وتركز الحكومات على دعم البحث والتطوير في بلدانها، ويأتي هذا الدعم على أشكال عدة، منها أن تقوم هذه الحكومات باستحداث مراكز للبحث والتطوير، تهدف إلى إنشاء نواة للبحث والتطوير، ودعم مراكز الأبحاث الأخرى سواء كان الدعم ماديا أو علميا. وقد يكون هذا الدعم أيضا عن طريق الإعفاء الضريبي كما هو حاصل في بريطانيا والولايات المتحدة؛ حيث تقوم الحكومتان بإعفاء بعض الشركات جزئيا أو كليا من دفع الضرائب.

ومن خلال هذا الإعفاء، فإن الحكومة توضح للقطاع الخاص الاتجاه المطلوب للبحث والتطوير، فعلى سبيل المثال، قد يحصل قطاع الأدوية على دعم أعلى من قطاع البتروكيماويات في دولة معينة، بينما ترى حكومة أخرى أن البحث في القطاع التقني أكثر أهمية من كلا القطاعين الآخرين.

كما تمتاز دول مثل اليابان وألمانيا عن غيرها بتسهيل توفير القروض البنكية للمشاريع البحثية للشركات، ففي حين ترى البنوك الأميركية والبريطانية خطرا في تمويل الأبحاث، تسهل الحكومتان اليابانية والألمانية إجراءات القروض لتمويل الأبحاث، وذلك من خلال إقرارها لتوأمة بين القطاع الخاص والقطاع البنكي. وهو ما يراه الكثير بأنه من أسباب التفوق البحثي لليابان وألمانيا.

وقد يكون الدعم الحكومي العامل الأكثر أهمية للبحث والتطوير، فالتشكيك في نتائج وفاعلية البحث العلمي يرتبط كثيرا بمراكز الدراسات والأبحاث... وبانعدام الدعم الحكومي، تكون مراكز البحث والتطوير عرضة للانتقاد المستمر سواء بالتلاعب في أموال الداعمين، أو بعدم جدوى هذه الأبحاث أساسا.

وكأي استثمار طويل المدى، فإن نتائج هذه الأبحاث دائما ما يصعب رؤيتها للمستثمر البسيط، لذلك فإن طبيعة البحث والتطوير طويلة المدى تتناسب كثيرا مع الأهداف الحكومية التي تتطلع إلى استثمارات طويلة المدى تفيد البلد على المدى البعيد. وأي خطة تطويرية لاقتصاد البلدان، دائما ما تتزامن مع خطة للبحث والتطوير. وحين تنفرد دولة ما بمعلومة بحثية، تتمكن من تصدير نتائج هذه المعلومة كمنتج تتفرد به عن غيرها، وتستغني به –ولو جزئيا– عن صادراتها من الموارد الطبيعية.

إن البحث والتطوير لا جدوى له على المدى القصير، ومن ينتظر أن يرى نتائج للبحث والتطوير على مدى سنة أو سنتين أو حتى خمس سنوات، يجب له ألا يستثمر في هذا المجال... أما من يريد أن تتطور بلده اقتصاديا على المدى البعيد، فإن البحث والتطوير هو الخيار الأول له من دون شك، وله في كوريا الجنوبية خير مثال.

 

نقلا عن الشرق الأوسط