لسوق الأسهم وجه عجيب.. أحياناً يشبه وجه الطفل في سرعة الفاصل بين ضحكه.. وبكائه.. مع خلو وجهه من براءة الطفل.. وبعد عمره عن عمر الطفولة.. ولكن الطفل ليس بين دمعته وابتسامته.. سوى لحظة.. أو ومضة.. وكذلك سوق الأسهم في كثير من الأوقات..
وسوق الأسهم المحلية في المملكة ليس طفلاً.. انه في عمر كهل.. ولكنه لم يأخذ من الكهل حكمته.. لا هو.. ولا أسواق الأسهم الأخرى في العالم.. وبعضها عمره أضعاف عمر سوقنا..
وإن كانت أسواق الأسهم في العالم المتقدم أكثر نضجاً ورشداً من سوقنا.. ولكنها هي الأخرى لا تخلو من حماقات بالغة تشبه العجوز الذي يتزوج فتاة.. والعجوز العاشق كالجندي العجوز.. وهو لا يصلح للجندية ولا تصلح له.. ولا للزواج من صغيرة تمور بالحياة وتفور بالنشاط والمتطلبات..
أسواق الأسهم الناضجة قد ترتكب الحماقات القاتلة.. كما حصل في (هبال) النازداك - مع أن خسائره قسمت على العالم كله أما خسائر سوقنا فعلينا فقط - وذلك قفز فوق الخمسة آلاف فقد قفز قفزة كبرى في الظلام فسقط في حفرة عظمى كسَّرت سيقانه وضلوعه..
وقبلها قفزت الأسهم الأمريكية سنة 1930قفزة قاتلة سقطت بعدها صريعة تنازع الموت وأدخلت الاقتصاد الأمريكي كله فيما سمي (الكساد الكبير) الذي امتد شره إلى العالم كله..
وقفزت الأسهم اليابانية - هي الأخرى - قفزة جنونية قارب فيها مؤشر النيكاي أربعين ألف نقطة قبل ما يقارب عشرين سنة ثم سقطت على أم رأسها فكثرت الجروح والكدمات و(الفلوق) وتكسير الرؤوس والضلوع فاعتل من اعتل ومات من مات..
وفي عام 97تقريباً قفزت بورصات النمور الآسيوية وفي مقدمتها اندونيسيا وماليزيا وتايلند (قفزات ما هي بقدها) حين هبت عليها الأموال الوافدة الحارة فرفعتها إلى عنان السماء ثم (محطت) بها على الأرض فجأة وبسرعة وبلا مظلة، ولكن الخسائر كانت تقسم على العالم كله لأن تلك الأسواق مفتوحة..
سوق الأسهم السعودية قفزت بتهور عام 93ثم سقطت وخرَّ سقفها على المتداولين فخسر كثيرون.. وأفلس البعض.. وذاكرة الشعوب ضعيفة دائماً.. ودروس أسواق الأسهم شديدة الوقع حين وقوعها، ولكنها سرعان ما تنسى بعد زمن قليل..
فسوق الاسهم الأمريكية (جت على رأسها) وخرت على رؤوس مضاربيها عام 87وفقدت خلال 3ايام فقط ما يقارب 30% من قيمتها..
وسوق الاسهم السعودية قفزت الى الذرى اول عام 2006ووصل المؤشر الى حدود 21الفاً بقفزات متسارعة ثم هوت على أم رأسها وعلى رؤوس المتداولين فيها وفقدت في شهر 35% من قيمتها ثم فقدت اكثر من 60%!!!
@@@
أسواق الاسهم في العالم كله تبتسم كثيراً.. وتضحك احياناً.. ولكنها تعرف البكاء.. وبكاؤها بعض الاحيان بالدماء وبعض المضاربين في سوق الاسهم كالعاشق المسكين، ان شرى فنزل سهمه حزن، وان باع فارتفع سهمه حزن، ويحزن وهو رابح.. كما يحزن وهو خسران، كالعاشق الذي قال:
وما في الارض اشقى من مُحبّ
وان وجد الهوى عذءبَ المذاق
تراه باكياً في كل وقت
مخافة فُرقة او لاشتياق
فيبكي ان نأوا شوقاً اليهم
ويبكي ان دنوا خوف الفراق
فتسخن عينه عند التنائي
وتسخن عينه عند التلاقي
والمضارب الذي تحزن نفسه على أي فرق قد فتح على نفسه باب (لو) و(لو) تفتح عمل الشيطان وتفتح مستشفى المجانين.. المضارب العاقل لا يعمل بكل ماله، ويعلم أن السوق ربح وخسارة، وانه - ولو كان أشطر الناس - لن يصيد أقل سعر عند الشراء.. وأعلى سعر عند البيع.. مع انه يعترف انه ليس أشطر الناس.. فالسوق (أشطر) من الجميع..
العاقل يبذل جهده ثم لا يلوم نفسه:
على المرء ان يسعى الى الخير جهده
وليس عليه ان تتم المطالب
ولكن بعض المضاربين كبعض العاشقين، يهوون الجنون.. يندفعون.. ويجدون لذة في الاثارة والجنون:
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم
ما لذة العيش إلا للمجانين!
والجنون نوعان (جنون الهوس) وصاحبه في نعيم لكن اهله في تعاسة من سوء تصرفاته، و(جنون الفصام) وصاحبه في عذاب.. كذلك بعض العشاق وبعض مضاربي الأسهم المدمنين، متوترون دائماً كأن الريح تحتهم تخفق بهم وتعصف.. وهم متطرفون.. مندفعون.. وفي حالتهم النفسية يتقلبون: مرة غاية السعادة بالربح الهائل كجنون الهوس.. ومرة غاية العذاب بالخسارة الفادحة.. كجنون الفصام.. والمسألة للتشبيه.. والجنون فنون!
نقلا عن الرياض
سلمت يمينك ..استعادة لمسيرة اسواق الاسهم باسلوب ممتع ..خلاصته ان الاسهم اخذر مما نظن
اخطر / مكان اخذر
أشكرك استاذي الفاضل .... مقال ممتع وشامل
المضاربة ع الاسهم ادمان والمضاربين يضيعون وقتهم في التحليل الفني لعد اقفال السوق وبصراحة ما عمري شفت محلل فني اغتنى
تعديل ( بعد اقفال السوق.....)
توصيف جميل