ميزانية بلد ما مثلاً تحمل أرقامها وصفاً دقيقاً لحياة مجتمعها الإنتاجي والسياسي والثقافي. فميزانية الضرائب تحكي إنتاجية المجتمع، بشرط اتفاق النظام السياسي، مع نتيجة الاستنباط. فإدراك النظام السياسي، للبلد يبين نوع الضرائب المكوّن لها. فإن ضممنا مع ذلك نظامها النقدي وحجمه تبيّن للمتأمل الناظر نوع إنتاجية المجتمع من حيث الجودة والكفاءة.
فمصدر ريع ميزانية ضرائب الدخل ما هو إلا جزء من كلفة الإنتاج للفرد في المجتمع. فكلما زاد إنتاجه زادت حاجته ومطالبه للخدمات العامة، وبالتالي زادت ضرائبه. وأما ميزانية ضرائب السلع فهي تدل على نظام إقطاعي تفرض الضرائب فيه على الضعيف ليستفيد منها الثري. وأما الميزانية التي يغلب عليها ضرائب الدخل وفيها بعض من ضرائب السلع، فهذا يدل على نظام سياسي راسخ ونظام اقتصادي متقدم، يستغل الضرائب الاستغلال الأمثل في تنظيم الاستهلاك، تحت نظام اجتماعي يوجه الضريبة لتنظم حياته الاقتصادية والاجتماعية.
وأما الميزانية التي لا تقوم على الضرائب فهي إما ميزانية مجتمع حربي قائم اقتصاده على الغزو، أو مجتمع مترف قائم اقتصاده على منجم الذهب. وكلا المجتمعين يخلو نظامهما السياسي من الاستقرار ومن الإنتاجية. فالمجتمع الحربي إما أن تتكالب عليه الأمم أو يشيخ فيركن للدعة، فيُؤخذ بغتة من عدو. والمجتمع المترف يعيش خيالات الأوهام وتنعيم الذات ويكثر حوله المنافقون والمسترزقون من شتى أنحاء العالم. فلا يوُثق في معلوماته وتقييماته عند تحليل اقتصاده.
ومتى قُرن تأمل الميزانية مع النظام النقدي وحجم كمية النقد في المجتمع، تبين للناظر نوعية إنتاجية المجتمع وكفاءتها. فكلما تقارب حجم الميزانية مع حجم كمية النقد، دلّ ذلك على قلة إنتاجية المجتمع، واعتماده على الإنفاق الحكومي. فإذا ما أضيف النظام النقدي للميزانية وكمية النقد، تتضح الصورة أكثر. فالنظام النقدي التابع لغيره إذا جاء مقترناً مع حالة تقارب حجم بين الميزانية وحجم المعروض النقدي، فهذا دليل على قلة كفاءة إنتاجية المجتمع وعدم استطاعة نقده القيام لوحده. وهذا بخلاف النظام النقدي المعتمد على غيره كذلك، إلا أنه يأتي مقترناً مع صغر حجم الميزانية بالنسبة للمعروض النقدي.
والنظرة لاعتماد النظام النقدي على غيره يدل لوحده مجرداً على أمور عدة. فقد يدل على فساد سياسي لا يقضى عليه إلا بتبعية النظـام النقدي لغيره، كبعض الدول الأوربية التي قررت الدخول في اليورو. وقد يدل على ضعف في كفاءة اقتصادي ذاك المجتمع. ولكن غالباً اعتماد النظام النقدي على غيره، دليل في ذاته على هشاشة المجتمع الاقتصادي لا على عدم كفاءة إنتاجيته. لذا تجد اليوم أن نظام الربط غير معترف به في الدراسات الأكاديمية وفي مصطلحات البيانات والمعلومات، مما زاد مجتمعاته الاقتصادية جهلاً في اقتصادهم.
ويأتي بعد ذلك شاهداً ودليلاً على منطقية التـأمل في معطيات الميزانية، كشف حساب المبادلات التجارية والمالية الخدمية للمجتمع مع دول العالم والمجتمعات الأخرى. فاقتراب أرقام الميزانية من أرقام النقود الخارجة من المجتمع من أرقام المعروض النقدي، يدل دلالة صريحة أن المجتمع الاقتصادي عالة على الإنفاق الحكومي، ويضمن للناظر صحة النظر عنده وعدم وقوعه في الخلط والتبعية للمسميات والمؤشرات.
فمثلاً قد تجد ميزانية لدولة ما يفوق معروضها النقدي، فلا يعني هذا وقوع المعنى السابق حتى يُنظر في ميزان المدفوعات الخارجي. فإن كانت الميزانية تقل في حجمها كثيراً عن النقد الخارج، دل على وجود سبب آخر. فإما تجده بلداً يعتمد على نقد أجنبي في سوقه المحلية لصغر حجمه وهيمنة اقتصاد جيرانه عليه، أو تجده بلداً غير مستقر سياسياً ويكثر فيه الفساد.
وكذلك يختلف مقياس العرض النقدي من بلد لبلد في تعريفه أو في حقيقته. فنحن مثلاً لا يتعامل كثير منا بنظام الفوائد. ولا يحبذون التمويلات، لذا فأكبر تمثيل للنشاط الاقتصادي عندنا هو المعروض الأول، بينما تجد المعروض الثاني هو الممثل الحقيقي لكثير من البلدان الأخرى، هذا إن توافقت في تعاريف المعروض النقدي، وما أكثر اختلافاتها.
نقلا عن الجزيرة
جلد
عندما يتحدث الأستاذ ينصت البقية.
دكتور حمزة إن كنت تكتب للمختصين فلا أظن أنهم يجهلون ما تتحدث عنه. وإن كنت تكتب ليستفيد ويتثقف القارئ العادي فحبذا تبسيط أسلوبك. لغتك تستعصي على قرائك.
الدكتور يكتب وفي فمه ماء !!...