وفرة الموارد البشرية ذات التأهيل العالي عنصر أساسي في نجاح التنمية والبناء، والاستفادة منها وتوظيفها بشكل صحيح هما ما أسهم في وصول دول كسنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرهما إلى مصاف الدول المتقدمة صناعيا، وفي السعودية لا نعاني من ندرة الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية والتدريب الجيد، فلدينا أكثر من 150 ألف مبتعث في الجامعات العالمية ذات التصنيف والسمعة الجيدة، علاوة على أعداد كبيرة من خريجي الجامعات السعودية في مختلف التخصصات التي يحتاجها سوق العمل، هذه الأعداد كافية كمرحلة أولى للاستفادة منهم في القطاع الخاص ونعول عليهم في بناء قطاع إنتاجي وصناعي متطور.
مشكلتنا الكبرى في القطاع الخاص نفسه الذي لا يرغب في الاستفادة من هذه الموارد البشرية بعد تشبع القطاع العام، إذ لم يعد هناك فرص وظيفية كافية لاستيعاب المزيد، والسؤال في هذا السياق، ما الذي يعوق القطاع الخاص في الاستفادة منهم؟ بعد أن كان يتحجج في العقدين الماضيين من عدم مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل.
نظريا، لا يوجد سبب يمنع القطاع الخاص من الاستفادة منهم وتوظيفهم طالما توفر التعليم الجيد والكفاءة العالية بعد انتفاء المبررات التي كان يسوقها في الماضي حول كفاءتهم وقدرتهم وتوافق تأهيلهم مع متطلبات سوق العمل، عمليا يمكن القول إن هناك أزمة ثقة بين الطرفين لم يتمكن التأهيل الجيد والكفاءة العالية من احتوائها، وهناك جانب آخر يتعلق بقدرة القطاع الخاص على التوظيف برواتب جيدة ومغرية بعد عقود طويلة من الاعتماد على عمالة رخيصة جدا، وهو ما لم يستطع القطاع الخاص استيعابه في ظل سيطرة فكرة وعقلية السبعينات والثمانينات التي تجاوزها الفكر الحكومي الحديث والمتمثل في برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية السعودية 2030 التي تسعى لأن يكون القطاع الخاص هو الموظف الأول.
وبالعودة إلى التقرير الصادر عن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية الذي أشار إلى أن معدل توظيف السعوديين في القطاع الخاص للعام الماضي 2016 تراجع بنسبة 37% مقارنة بالعام الذي سبقه، ولخص أسباب عزوف عدد من السعوديين عن المشاركة في القطاع الخاص بانخفاض أجور القطاع الخاص في مقابل ارتفاع أجور القطاع العام، وغياب نظام موحد للسلامة والصحة المهنية بالقطاع الخاص، وضعف جاهزية القطاع الخاص لتوفير بيئة عمل تناسب المرأة، نجد أن هذه الأسباب تتمحور حول عنصرين رئيسين هما: الأجور وبيئة العمل، وكلاهما عناصر أساسية لجذب الكوادر البشرية المؤهلة.
وفي ظل غياب هذين العنصرين لا يمكن أن يكون القطاع الخاص جاذبا وموظفا للكوادر السعودية المؤهلة، خصوصا أن القطاع الخاص يتجه ويدفع لتوطين وظائف دنيا أو وظائف متوسطة برواتب متدنية، لن يرغب بها ذوو التأهيل الجيد والكفاءة العالية، وفي المقابل، تجد أن هناك وظائف ذات إنتاجية واستدامة ودخلها عال لم يجد التوطين إليها سبيلا رغم جاذبيتها العالية، مما يؤكد عدم جدية القطاع الخاص في استقطاب الكوادر المؤهلة والاستفادة منهم.
نقلا عن صحيفة مكة