تملك الأسواق المالية حول العالم عدة مستويات وعدة اقسام ليتم تداول أصول واوراق مالية كثيرة، حتى في النوع الواحد من الاواق المالية نجد ان هنالك أكثر من سوق في نفس البلد، ولكل سوق مميزات وخصائص ينفرد بها عن السوق الاخر، فمثلا سوق الأسهم في اغلب دول العالم يحتوي على أكثر من منصة يتم التداول عن طريقها، منها سوق رئيسي واحد او أكثر وأخرى فرعية او صغيرة يتم تداول اسهم شركات اصغر واكثر خطورة وبضوابط وشروط تختلف كثيرا عن السوق الرئيسي وهذا يدل على حجم التطور في السوق المالي لاحتوائه على اكثر من منصة وبتنوع اكبر.
لذلك تم اطلاق السوق الموازي (نمو) كخطوة شديدة الأهمية نحو تطوير الأسواق المالية والاستثمارية في المملكة، والتي سوف تتزايد أهميتها في المستقبل، وكخطوة أولى وبالتزامن مع اطلاق وتدشين السوق رسميا تم ادراج سبع شركات دفعة واحدة لتبدأ فعليا تداول السوق، وحظي السوق باهتمام وتداول ملفت في اول أيامه مبشرا بحركة جيدة وارتفاعات قوية وسيولة ممتازة لكن ومع الوقت بدأت السيولة بالانحسار ومعها تراجعت الشركات حتى فقد السوق 30% من قيمته، والسيولة تراجعت لتسجل ارقام قياسية قاربت مليون ريال لكامل السوق قبل ان تتحسن وتستقر بحدود عشرون مليون ريال، وهو مؤشر مقلق لمستقبل السوق (في نظر البعض) حيث انه من المعلوم ان انخفاض سيولة أي سوق سوف يرفع درجة المخاطرة، وبالتالي سوف يرتفع مقدار الخصم المقبول به على سعر السهم من قبل المستثمرين وهو يعني المطالبة بخفض السعر ليصبح مناسب للمستثمر، لكن السؤال لماذا سيولة السوق منخفضة وماهي العوامل المؤثرة عليها؟
بدايةٌ السيولة في عموم السوقين السوق الرئيسي (تاسي) والسوق الموازي (نمو) ضعيفة، ويكفي مراجعة مستويات التداول في السوق الرئيسي لنجد انها منخفضة مقارنة بما كانت عليه قبل اكثر من سنتين ولذلك المشكلة عامة وليسن خاصة، ثانيا زيادة على مشكلة ضعف السيولة بجميع الأسواق، السوق الموازي لا يسمح لجميع الفئات التي تتداول في السوق الرئيسي (المنخفض السيولة أصلا) بالتداول فيه، وهو ما يعني محدودية الأموال التي ممكن ان تستثمر فيه وهو ما يفسر مشكلة السيولة، وزيادة على ذلك ان من يحق لهم التداول فيه هم الفئات الأكثر احترافية (صناديق استثمارية، جهات اعتبارية ومستثمرين افراد مؤهلين حسب الشروط) وهؤلاء لا يديرون محافظهم بطريقة المضاربات والتدوير، ولذلك كل هذه التركيبة الحالية ساهمت بما يحدث اليوم، وعليه كان انخفاض المؤشر بحدود 30% ومعه انخفضت الاكتتابات الأخيرة في اول أيام تداولها نفس مقدار انخفاض السوق 30% تقريبا وعليه نجد التوافق بين المتداولين على هذا الخصم لأغلب (وليس الكل) شركات سوق نمو.
يحمل سوق نمو مشاكل يجب الانتباه لها وهذا طبيعي كونها تجربة جديدة وفي طور التطور كما حدث مع السوق الرئيسي، من ضمن هذه المشاكل قضية تطبيق الحوكمة بشكل أكثر فاعلية، كما نعلم تم التساهل في ادراج هذه الشركات لتسريع ادراجهم ومن ضمن الأمور التي تساهلت الهيئة فيها (مؤقتا) قضية الحوكمة، فنشاهد مجالس إدارة غير مطابقة للحوكمة بل بعض هذه الشركات لا يملك أي لجان منبثقة من المجلس لتعمل بشكل مقارب حتى للحوكمة، فمثلا بعض الشركات لا يوجد فيها لجان مراجعة! وهي شديدة الأهمية فكيف وافقت الهيئة وتساهلت في مثل هذه المواضيع! لا يوجد أعضاء مجالس إدارة مستقلين! وغيرها من الملاحظات التي أتمنى التسريع في حلها وعدم التساهل فيها لمصلحة تسريع ادراج الشركات.
اعتقد ان سوق نمو لم يفهم من قبل اغلب المستثمرين الافراد حيث ان هنالك الكثير من التعليقات حول نوعية الشركات التي تم طرحها وحول حجمها، لكن ما لم يعلمه هؤلاء ان هذا السوق صمم لهذه الشركات بالضبط وهذا هو المستهدف شركات صغيرة ومتوسطة وليس مكانه للشركات الكبيرة ابدا، وعليه يجب تفهم المخاطرة فيه وتقلب النتائج حيث انها مازالت صغيرة وعرضة للهزات وتقلبات أسواقها بعكس الشركات الكبيرة والتي من "المفترض" ان تكون اقل عرضة لمثل هذه التقلبات.
ختاما، أتوقع ان السوق الموازي سوف يستمر بهذا المستوى من السيولة والأداء حتى تتحسن السيولة بشكل عام في الأسواق والاقتصاد وعندها سوف نرى السوق الموازي يكسب اهتمام وثقة أكثر من قبل المتداولين وقد تتساهل هيئة سوق المال بالاشتراطات الخاصة بالأشخاص المؤهلين للتداول فيه وهو ما سوف يعطيه زخما أكثر، أتمنى ألا نبخص حق شركات هذا السوق ونعمم عليها بسبب مشكلة نظامية وهيكلية تخص السوق، بل يجب الحكم عليها (بتعقل ومنطقية) بنتائج اعمالها واربحها ومقدرتها على النمو وتحقيق تطلعات جميع المتداولين منها