هل فعلا يوجد خلل في تخفيضات أوبك؟!

02/07/2017 0
د. فيصل الفايق

لماذا لا تزال إمدادات النفط العالمية تفوق الطلب رغم تخفيضات إنتاج منظمة أوبك وخارجها بواقع 1.8 مليون برميل يوميا منذ مطلع هذا العام، بل وحتى بالرغم من مستويات الامتثال القياسية والتاريخية في التخفيضات، ومع كل ذلك إلا أنه لاتزال حالة من الإختلال في ميزان العرض والطلب في اسواق النفط مع إستمرار زياده المعروض التي مازالت مستمره خصوصا مع تعافي الانتاج في عدد من الدول بعد تحسن ظروفها الجيوسياسيه.

هناك من يعزو هذا الخلل إلى أن منظمة أوبك قدمت التخفيضات الخطأ لأسواق النفط! وهذا الخلل في تخفيضات أوبك من وجهة نظرهم جاء لأن تخفيضات الإنتاج لم تكن مدروسة بما يكفي بعد ان شملت كثير من النفوط الخفيفة على حساب النفوط الثقيلة والمتوسطة، وبالتالي اصبح هناك كميات متوافرة كبيرة من النفوط الخفيفه الغير مرغوبة في الهوامش الربحية لإقتصاديات مصافي التكرير المتطورة مما سبب تخمة ملأت الناقلات العملاقة العائمه (VLCC) مرة اخرى. هل يعقل ان يحاول الإعلام الغربي المغرض الإيعاز إلى فشل جهود منظمة أوبك في توازن أسواق النفط عندما يعرض ارقام عالية لمستويات المخزونات النفطية العائمة والتي على حد زعمهم الأعلى منذ سبع سنوات مع ان مستوياتها متقاربة جدا (Slight Fluctuations)  وسجلت زيادة بديهية بسبب الجدوى الإقتصادية لإستئجار السفن بعد أن نجحت اتفاقية أوبك لتخفيض الإنتاج في إفراغ الكثير من الناقلات العائمة!

وهذا إيعاز خاطئ وفهم مغالط لأساسيات وديناميكيات أسواق النفط للأسباب التالية:

أولا:

الهياكل التسعيرية للنفوط القياسية تثبت عكس ذلك تماما عندما نرى هياكل الأسعار للعقود الآجلة في خامي نايمكس وبرنت لايزالون في الهيكل التسعيري "الكونتانغو" بأسعار مستقبلية اعلى من الحالية، بينما نرى خام دبي تحول الى الهيكل التسعيري "الباكورديشين" بأسعار مستقبلية أقل من الأسعار الحالية. وهذا يثبت أن التخمة في المعروض في النفوط مرتبطة بتسعيرة نايمكس وبرنت على عكس النفوط المرتبطة بخام دبي التي لاتوجد بها تخمة معروض بتاتا لأنه لا جدوى من التخزين إذا كانت الأسعار المستقبلية أقل وهو ديدن غالبية النفوط المنتجة من دول الخليج العربي والتي تمثل الحصة الكبرى من إنتاج دول منظمة أوبك.

ثانيا:

كما أوضحنا في الصور المرفقة، الخلل أن في ميزان العرض والطلب يأتي بسبب التركيبه الحالية من الزيادة  في المعروض من خارج إنتاج دول أوبك من غالبية النفوط الخفيفه الحلوة (Light/Sweet)، وبنسبة كبريت قليلة جدا (دون %0.5). وهذه الزيادة في المعروض جاءت على حساب النفوط المتوسطه والثقيله (Medium/Heavy) ذات نسب الكبريت العالية (اعلى من %0.5)، وهو ما تمثله غالبية إنتاج دول أوبك كما شرحناه في الصور المرفقة عند إدراج متوسط نفوط سلة أوبك من الثقل النوعي ونسبة الكبريت بإستثناء نفوط غرب أفريقيا من أعضاء منظمة أوبك.

ثالثا:

حتى وان كانت اتفاقية أوبك لم تفرض تخفيض نوع من النفط دون الآخر بالرغم من أنها آلية يستحيل تطبيقها، لأن من الغير الممكن تعاقديا أن تعبئ غالبية نفوط الخليج العربي في ناقلات عملاقة عن طريق سماسرة النفط وتباع بعد ذلك في الأسواق الفورية لأن غالبية البيع تعاقدي فقط للمستخدمين النهائين من مصافي التكرير وليس نفوط للتجارة أو ما يسمى (Free Traded Crude Oil)، طبعا ممكن استثناء نفوط غرب أفريقيا من ذلك وبعض الاستثناءات القليلة نسبيا من نفوط الخليج العربي.

رابعا:

منطقة آسيا لازالت تعاني من فائض المعروض من النفط الخام الخفيف ذو النسب القليلة من الكبريت، وهذا الوضع يزداد سوءا بسبب تدفقات كبيرة من نفوط من بحر الشمال (خام برنت) وغرب أفريقيا، بل وحتى بكميات محدودة من النفط الصخري الأمريكي، وهذه الكميات الغير مباعة من النفط تخزن في ناقلات عائمة، مما سبب زيادة مفاجئة في المخزونات  العائمة. وجاء هذا التدفق أيضا بسبب فروقات السعر الضيقة جدا بين خام برنت وخام دبي مما حفز نفوط بحر الشمال وغرب أفريقيا على الإبحار شرقا إلى آسيا والمحيط الهادئ. ومما يثبت ذلك أن هناك كميات قياسية كبيرة جدا من نفط غرب أفريقيا أبحرت شرقا إلى آسيا في الأشهر الأخيرة! حيث أن الفرق بين خامي برنت ودبي أصبح ضيق جدا

(Brent Dubai Narrow Spread) 

مما يصب في مصلحة بيعه في الأسواق الآسيوية التي تتداول النفط بتسعيرة خام دبي!

خامسا:

مع هذه المعطيات السابقة، والفرق الضيق بين سعري خام برنت وخام دبي، نجد ان الفرق السعري ايضا بين النفط الخفيف والثقيل (Light / Heavy)  يتقلص كثيرا مما جعل النفوط المتوسطه والثقيله تكون نسبيا غاليه بالنسبه لمصافي التكرير رغم ان غالبية المصافي الجديده في العالم وفي الاسواق الواعده الآسيويه، تم بناؤها للإستثمار في قدراتها التحويليه والتكسيريه بشكل كبير، ولكنها تعاني حاليا من غلاء النفط الخام الثقيل والمتوسط بل وحتى الخام الخفيف ذو نسبة الكبريت العالية مقابل النفوط الخفيفه ذات نسب الكبريت المنخفضة.

Light Sweet Crude Oil vs. Medium/ Heavy Sour Crude Oil.

ولذلك نرى الهوامش الربحية للنفوط المتوسطة والثقيلة عند المصافي الآسيوية سجلت تحسنا ملحوظا مؤخرا.

وهذا بطبيعة الحال ليس في صالح منتجي أوبك والتي تعادل هذه الفروقات في تسويتها التسعيرية الشهرية لفروقات أسعار النفط بعد دراسات مستفيضة لهوامش اقتصاديات مصافي التكرير كما أوضحنا في مقالات سابقة.

ونخلص إلى أنه من الإجحاف في جهود منظمة أوبك، ومن الجهل في ديناميكية أسواق النفط وأساسياته أن ينتقد البعض جدوى تخفيضات الإنتاج من دول أوبك على أنها كانت على نحو غير متناسب من النفوط المتوسطة والثقيلة على حساب الحفاظ على ارتفاع إمدادات النفوط الخفيفة خصوصا في اسواق النفط الأكثر أهمية في العالم!







خاص_الفابيتا