تحركات الأسعار لا تعكس الأساسيات القوية لأسواق النفط! (2)

21/05/2017 0
د. فيصل الفايق

تطرقنا في المقال السابق عن النظرة التشاؤمية لفعالية تمديد اتفاقية خفض الانتاج على توازن الأسواق والترويج لتلك الأفكار يدل على فهم خاطئ لقراءة ديناميكية أسواق النفط بل وحتى هذا الإيعاز يرجع إلى أن الهدف من تمديد التخفيضات بعد الستة أشهر الأولى، كان لتخفيض المخزونات، وليس لدعم الأسعار، ولكن يجب أن نعي أن تخفيض الإنتاج قضى على التخمة في المعروض وهذا أكبر دليل على نجاح الاتفاقية التاريخية، لمصدري أوبك وخارجها، ويبقى العمل على خفض المستويات القياسية العالية للمخزونات النفطية.

مخزونات النفط بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي وصلت إلى 276 بعد أن هبطت من 300 مليون برميل أعلى من متوسط خمس سنوات، فذلك لأن بيئة أسعار النفط المنخفضة منذ منتصف عام 2014 شجعت على تعبئة وزيادة استيعاب تلك المخزونات حتى وان كان ذلك يعتبر مؤشر ارتفاع واضح، فإنه لا يعتبر فائضا في المعروض أو تخمة تؤثر على توازن السوق إلى حد كبير لأنها تستخدم كمخزون أمني للطاقة أكثر منها كمخزون تجاري.

هذه التوسعات الكبيرة في السعة التخزينية للنفط الخام، خلال بيئة أسعار النفط المنخفضة لا علاقة لها بأساسيات أسواق النفط ولا بتحركات الأسعار التي تتحرك في نطاق ضيق حتى مع الارتفاعات التي سجلتها مع إغلاق نهاية الأسبوع الماضي، هذه التحركات البسيطة للاسعار تأتي لأسباب لاتعكس أساسيات السوق القوية أوحتى العوامل المرتبطة بالعرض والطلب، بل يرتبط تزايد مخزون النفط عادة بانخفاض أسعار النفط، لأنها تعتبر إشارة إلى أن هناك الكثير من المعروض من النفط، مما يزيد من شرة المستهلكين في الشراء والتخزين.

في العقدين الماضيين تناقصت العلاقة بين المخزونات والأسعار، بسبب الحاجة إلى ارتفاع المخزونات لمواجهة الزيادات الكبيرة في الطلب، وتقلبات أسعار النفط، وهذا ما يسمى بأمن الطاقة في حال وقعت اضطرابات في الإمدادات، وأمن الطاقة مرتبط بالأمن القومي وتوافر الموارد لاستهلاك الطاقة.

ولذلك نجد أن الشركات النفطية الكبرى حتى هي بدأت تحافظ على المخزونات لمواجهة التقلبات في الأسعار والإمدادات، وبالتالي فإن مستويات المخزون المرتفعة، لا تعني بالضرورة الضغط الهبوطي علی الأسعار، لأن هناك حاجة إلى النفط لملء خطوط الأنابيب، ومخزونات مصافي التكرير، وهذا مايعرف بالمخزون اللوجستي الذي يمكن الاحتفاظ بكميات مختلفة منه للاستفادة من التغيرات المستقبلية المتوقعة في الأسعار، ولتوفير وسادة ضد كل من التقلبات المتوقعة وغير المتوقعة في أسواق النفط، وهذا المخزون الأمني، من الخطأ أن يؤثر على أسعار النفط، وتزايد مخزون النفط لايجب ان يأتي مواتيا لانخفاض الأسعار، مما يعتبر تغييرا ديناميكيا بخلاف ما اعتادت عليه السوق العالمية في العقود الماضية.

ويبقى أن أوضح ما يتم ترويجه بأن المملكة العربية السعودية تواجه موازنة صعبة بين تخفيض الإنتاج، وحجم الصادرات، وأن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية خفض الإنتاج دون تخفيض الصادرات. وبطبيعة الحال فإن تخفيض الصادرات يأتي بديهيا مع تخفيض الانتاج ولكن الترويج بصعوبة هذه الموازنة مبعثه إما الجهل بالواقع أو بقصد التضليل حول قدراتنا، لأنه لا يخفى عليكم أن هناك مرونة كبيرة للصادرات وباستراتيجيات على المدى القصير والطويل ثابتة لا تتأثر كثيرا بهذه التغيرات لان المرونة في البنية التحتية تستطيع أن تحتوي قدر أكبر من هذه المتغيرات كما أثبتنا ذلك على مدى العقود الماضية. ولا أحد يختلف على موثوقية الصادرات النفطية من السعودية كمورد موثوق ودائم للنفط غالبا بعقود طويلة الأجل، على عكس المبيعات الفورية لتجار النفط والتي لا يوجد بها موثوقية.

وهنا نخلص الى انه من يحاول أن من يشكك في جدوى خفض الإنتاج فإنه يسلم لمن يحاول إيجاد الفوضى والتوتر في الأسواق.

خاص_الفابيتا