في الوقت الذي هوت أسعار الحديد بالمملكة في الشهر الماضي 500 ريال لتواصل تراجعها الذي بدأ منذ أكثر من عامين، أعلنت هيئة الإحصاء السعودية على موقعها الإلكتروني ارتفاع أسعار الحديد في السوق المحلي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2017 بنسبة 9% في المتوسط، مقارنة بنفس الفترة من عام 2016، لتزداد الشكوك الخليجية في تضارب هذه الأرقام، خاصة بعد تأكيد الرابطة الدولية للحديد في الشهر الماضي على انخفاض أسعار الحديد في الأسواق العالمية، نتيجة ارتفاع إنتاجه العالمي إلى 137 مليون طن، وتراكم مخزونه بنسبة 186%.
معظم التقارير العالمية أكدت على أن تسارع وتيرة انخفاض أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادي دفعا الدول المنتجة للحديد إلى التخلص من مخزونها التراكمي، وزيادة نفاذ صادراتها في الأسواق الخليجية لجني العملة الصعبة وترجيح كفة الميزان التجاري لصالحها. لذا من واجبنا دراسة هذه الممارسات والتأكد من مسبباتها والتحقق من أنواعها للتصدي لها ومكافحتها.
ونظرا للتباين المعقد بين هذه الممارسات المشوهة للتجارة، قامت منظمة التجارة العالمية بتحديد أنواعها وأصدرت أحكام معالجتها ضمن ثلاث اتفاقيات واضحة المعالم على النحو التالي:
أولا: اتفاقية مكافحة الإغراق والرسوم المضادة، حيث تم تعريف الإغراق بأنه ناتج عن تصدير المنتجات الأجنبية للسوق المحلي بأسعار تقل عن قيمتها الحقيقية بهامش يسمى هامش الإغراق. لذا علينا إثبات نسبة هذا الهامش وعلاقته السببية بالضرر الجسيم الناتج عنه والواقع على مصانعنا الخليجية، وذلك قبل اتهام الدول بالإغراق ورفع القضايا ضدها وتطبيق الرسوم المضادة على منتجاتها.
ثانيا: اتفاقية مكافحة الدعم والتدابير التعويضية، حيث تم تعريف الدعم بأنه المساهمة المالية المباشرة التي تتلقاها المنتجات الأجنبية من حكومتها في بلد المنشأ، أو التي تحصل عليها من مدخلات مدعومة، أو التي يتم تزويدها باعتمادات تصديرية ومعدلات فائدة مميزة مع إعفائها من الرسوم أو الضرائب. وهنا أيضا يتوجب علينا، قبل اللجوء للتقاضي، إثبات قيمة هذا الدعم المحظور وضرره الجسيم على المصانع الخليجية والعلاقة السببية بينهما.
ثالثا: اتفاقية مكافحة الزيادة غير المسوغة للواردات والحماية الوقائية، حيث تعرف هذه الزيادة بأنها النسبة السنوية المطردة لنفاذ المنتجات الأجنبية في السوق المحلي، التي يجب ألا تفوق 3% من واردات المنتج المُصدَّر من دولة واحدة، أو 9% كحد أقصى من واردات عدد من الدول المُصدِّرة لهذا المنتج. وهنا أيضا لا بد من إثبات نسبة هذه الزيادة بشكلها المطلق ومقدار الضرر الجسيم الذي ألحقته بالمنتجات المحلية أو قد تهدد بإلحاقه مستقبلا، والعلاقة السببية بينهما. ونظرا لهذا التباين المعقد في هذه الممارسات، فإن المنتجات الوطنية المتضررة تقع فريسة سائغة للخلط بينها، لعدم تفريقها بين واقعة الإغراق أو الدعم أو الزيادة غير المسوغة للواردات، ما يؤدي إلى صد دعاواها وتكبدها مزيدا من الخسائر. لذا يتوجب على منتجي الحديد الخليجيين، قبل اللجوء إلى هيئة حسم المنازعات التجارية في منظمة التجارة العالمية، تحديد نوع هذه الممارسات، وهل ترتقي لواقعة الإغراق وما هو هامشه، أو هل حصلت على الدعم المحظور وما هي قيمته، أو هل ارتفعت وتيرة استيرادها في الأسواق الخليجية بنسبة زيادة سنوية غير مسوغة وما هي نسبتها. كما على المصانع الخليجية تقييم الضرر الجسيم الواقع على منتجاتها ومصانعها بسبب هذه الممارسات، وعلاقته السببية بهامش الإغراق المثبت، أو قيمة الدعم المحظور الموثق، أو نسبة الزيادة غير المسوغة في الصادرات، أو جميعها معا.
ولكون المعلومات المتوفرة اليوم تشير إلى أن واردات الحديد في السوق الخليجية ارتفعت بوتيرة غير مسبوقة لتُباع بأسعار زهيدة، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الخليجي لحديد التسليح من 11 مليونا إلى نحو 9 ملايين طن، فإن هذه المعلومات تؤكد على إلحاق الضرر الجسيم بالمصانع الخليجية وسهولة الاعتداد بواقعة الزيادة غير المسوغة للواردات من خلال الحقائق التالية:
أولا: إن تجاوز حجم الواردات من الحديد الأجنبي في الأسواق الخليجية بنسبة 64% من فائض حاجة هذه السوق الفعلية يتفق حكما مع مفهوم الزيادة غير المسوغة للواردات، إذا أثبتنا أنها تتزايد سنويا بنسبة تفوق النسبة القصوى 3% من دولة واحدة أو 9% من عدة دول، وذلك لأن هذه الزيادة تضيف عبئا على الإنتاج الخليجي، الذي يغطي نحو 140% من حاجة السوق الخليجية. لذا فإن هذه الزيادة السنوية ترهق كاهل السوق الخليجي بواردات الحديد الأجنبي وتؤدي إلى تشبعه بنسبة 200%، لتلحق الضرر الجسيم بمصانعنا الخليجية أو تهدد مستقبلها.
ثانيا: إن الفرق الواضح بين أسعار الحديد المستورد وأسعاره المنتجة في الدولة المُصدِّرة قد يعتد به في الاتفاق الدولي الخاص بمكافحة الإغراق، إذا تم التأكد من القيمة الحقيقية للمنتج المستورد، واحتساب هامش الإغراق، والتحقق من العلاقة السببية بين هذا الهامش والضرر الجسيم الواقع على مصانعنا الخليجية.
ثالثا: إن المخزون التراكمي للحديد في دول العالم قد يشجع هذه الدول على توفير الدعم المحظور لصادراتها، مما يتطلب التأكد من قيمة هذا الدعم وعلاقته السببية مع الضرر الجسيم الواقع على مصانعنا الخليجية.
لذا على دولنا الخليجية التصدي بهذه الحقائق للواردات الأجنبية من الحديد وغيره، وأن تبدأ فورا في تحديد نوع هذه الممارسات، والتحقق من ضررها الجسيم الواقع على مصانعنا الخليجية قبل اللجوء إلى هيئة حسم المنازعات التجارية.
نقلا عن الوطن
عزيزي د. فواز هناك تناقض واضح في مقالك تقول أن نسبة إغراق الحديد المستورد وصلت إلى 140 % من الحاجة الفعلية للسوق رغم أن هيئة الإحصاء (وهي جهة حيادية وسيادية) أعلنت بأن أسعار الحديد في المملكة ارتفعت بنسبة 9 % في ظرف 3 أشهر فقط ! لو كلامك صحيح لما ارتفعت أسعار الحديد لدينا ، بل ستنخفض بشكل كبير ثانياً : نحن بلد منفتح اقتصادياً ولسنا كوريا الشمالية الوضع الطبيعي هو أن نستورد ما نحتاج إذا كان هناك عجز لدينا في أي من المواد التي نحتاجها او إذا كانت أسعار هذه المواد أقل في الأسواق العالمية من أسعارها لدينا ثالثاً : السوق عبارة عن عرض وطلب والتاجر أو المستثمر الذي يرى بأن الاستثمار في قطاع معين غير مجدي بالنسبة له عليه أن يقوم بتغيير هذا النشاط لكن لا يمكن أن نقوم بإجراءات حمائية للمنتج المحلي رغم علمنا المسبق بأن أسعارها أعلى من أسعار مثيلاتها في الأسواق الأخرى لأن المستهلك هو من سيدفع ضريبة هذه الإجراءات والربح للتاجر المحمي !