إن جميع البرامج التي إحتوتها رؤية 2030 يلزمها آليات متقدمة من خلال مقارنة الأرقام ومرتبطة بقياس الأداء لكي توفر القدرة على تحسين وتصحيح القرارات بشكل مستمر. وهو تحد كبير لن يتأتى إلا من خلال وجود مكان مشترك للبيانات (Shared data repository) ليس داخل المؤسسة الواحدة فحسب وإنما بين المؤسسات والجهات الحكومية و الكيانات والأفراد على المستوي الوطني ككل. فلو أخذنا مثالا أن رؤية المملكة الطموحة من خلال تشرفها بخدمة الحرمين أن ترفع عدد المعتمرين من 8 ملايين إلى 30 مليون معتمر بحلول 2030، وهذا رغم إنه تحد كبير إلا أنه ليس من المستحيل تحقيقه ولكن يلزمه توفير الجهات ذات العلاقة لبيانات حالية ومستقبلية مشتركة فيما بينها لكي يتم أخذها في الحسبان من كل جهة وبما يتوائم مع الآليات الموضوعة لهذا الهدف النبيل ولنأخذ موضوع المياه لتوفيرها أثناء مواسم الحج على سبيل المثال لا الحصر:
- أرقام عن إستهلاك المياه للأفراد في بلدانهم القادمين منها.
- المخزون المائي الإستراتيجي الموجود في المملكة وما هي الأرقام المتوقعة لزيادته في السنوات القادمة.
- كلفة إستخراج ونقل المياه المتوقعة خلال السنوات القادمة.
- أرقام تقيس سلوك الحجاج في إستهلاك المياه في بلدانهم.
إن البيانات الموجودة في أي جهة هي أصل من الأصول الهامة لأي منشأة يجب أن يتم تقيمها وأن تكون إدارتها متماشية ومنضبطة مع التوجهات الإستراتيجية والإعتبارات الوطنية والأمنية تحت مفهوم (حوكمة البيانات)، ولكنه حاليا يعتبر أمر هامشي للأسف الشديد في كثير من الجهات.
إن تحليل البيانات الضخمة لن يتحقق بشكل فعال ولن يؤتي ثماره إلا إذا تحقق تطبيق مفهوم حوكمة البيانات بشكل فعال وسريع، ولتحقيق مفهوم حوكمة البيانات يفترض ان البينات المتوفرة هي بيانات صالحة و تم التأكد من جودتها بينما الحال ليس متحقق في الكثير من الجهات ليس بسبب ضعف التقنيات الموجودة ولكن بسبب التقليل من شأنها أو انها لا تشكل أولوية لأهمية الجودة فالنظرة السائدة للبيانات انها قواعد بيانات متصلة تحت برامج تطبيقية حاسوبية وليست كأصل هام من أصول المنشأة وبالتالي فالنتيجة الحتمية هي بيانات ذات جودة متدنية.
عندما نتحدث عن أهمية مراقبة الأداء الحكومي التي اهم مبادراتها إعادة هيكلة بعض القطاعات الحكومية وبرامج قياس الأداء فإن عدم وجود قاعدة مشتركة توفر بيانات ذات جودة عالية و تتميز بالتحليل الدقيق، بينما توجد بيانات متدنية وليست تحليلية بشكل ناضج كما هو الحاصل في العديد من الجهات، ستحدث وبدون أدنى شك فجوة بين الخطط الموضوعة و تنفيذها، (مدخلات خاطئة تعني حتميا مخرجات خاطئة)، خصوصا وأننا نتحدث عن خطة تنموية شاملة من الأفضل أن يكون أساسها ومرتكزها الرئيسي نظام إنذار مبكر من البيانات الحكومية المشتركة يعطي تنبيها لمتخذ القرار بأن هناك خطوة وقرار قد يسبب خروجا عن تحقيق الهدف.
الخلاصة تحليل البيانات الضخمة وحوكمتها سيسهم في:
1-الإهتمام بتحليل البيانات الضخمة و انظمة الأعمال الذكية سيسهم في توفير الرؤية وتقويتها وتفعيلها من خلال معرفة الإحتياجات الحقيقية والخطوات اللازمة لتحقيقها.
2- تحقيـق الأهداف المرجـوة مـن تحليل البيانـات لا ينحصر في الإستثمار في الأنظمة المتقدمة وتوفير وسائل التخزين الكبير ولكن أيضا الإهتمام بالعنصر البشري الوطني وتشجيعه وكذلك دراسة الإجراءات وإعادة تحسينها.
3- تطبيق حوكمة البيانات بشكل فوري وفعال خصوصا بقياس جودة البيانات فتوفــر البيانــات في أي جهة لا يعنــي القــدرة علــى استخلاص نتائــج فوريــة فالبيانات تمــر بعــدة مراحــل مــن المعالجــة والتنقيــح ليتم تحليلها ومن بعد ذلك إستخراج الأرقام المفيدة منها.
4-مـن المهـم العمـل علـى نشـر ثقافـة البيانـات فـي جميع الهيئات زالمنظمـات لتبيـان أهميتهـا وأثرهـا، وذلـك لأن البيانـات تحتـاج التبني والدعم من متخذي القرار كـي ينتـج منها تحليل يعـول عليهـا وهنا يجب إدراك مفهوم (إدارة التغيير) في الجهات الحكومية.
5-تحليل البيانات هو بمثابة ميكروسكوب لتكبيرحجم المشاكل التي قد لا يمكن رؤيتها بالتجرد ولذلك يجب أن يكون من العناصر الأساسية لمفهوم حوكمة البيانات هو تنظيم ملكية البيانات بين الجهات الداخلية للمنشأة من حيث حصريتها داخل نطاق الفريق وإلزام وجود مكان مشترك لنشر البيانات داخل الجهة لكي تعم الفائدة ويتم دعم مفهوم ثقافة نشر البيانات كما هو مشار إليه في النقطة السابقة.
خاص_الفابيتا
مقال رائع د. فيصل وكم نحن في حاجة ماسة لتغيير ثقافة المجتمع الإحصائية من خلال مثل هكذا مقالات🌹🌹