كَثُر السؤال هذه الأيَّام عن البيع على المكشوف وشرعيته. فحقيقة البيع على المكشوف أنه بيع بالأجل متكامل الأركان شرعاً ولغة وعقلاً ونظاماً ويحقق مصالح للسوق. فالبيع على المكشوف هو شرطي السوق، يمنع التلاعب في أسعارها، والبيع على المكشوف في سوق الأسهم، لا شر فيه إذا ضُبط بالنظام، كالشرطة، أما في سوق العملات فهو قد يكسر العملة التي يشتريها بالمكشوف، مما قد يؤدي في بعض الحالات لهدم اقتصادها. ولكن يظل في الحالين (سوق الأسهم أو العملات) شرطي السوق الذي يضبط النظام.
ومثاله أن يأتي تاجر أسهم إلى التأمينات الاجتماعية، مثلا، التي تحتفظ بالأسهم كاستثمار طويل الأجل، فيشتري منها 1000 سهم لسابك مؤجل يوماً أو أكثر أو أقل، بقيمة 1010 سهم سابك مثلا، أو بقيمة 1000 سهم سابك مع 1000 ريال.
فهذا بيع آجل لا شبهة فيه مطلقاً إلا من شذ. فالأسهم ليست أموالاً ربوية، ولا تقاس عليها. فيجوز بيعها بفضل من جنسها ونوعها أو من غير جنسها ونوعها، كما يجوز فيها النسأ بجنسها -أي التأجيل- والدافع لهذا وكيفية عمله، فقد سبق لي الحديث فيه، ولا يتسع المقام هنا. (فقد ضبطنا أستاذنا أبو بشار، رئيس التحرير، في حجم المقال بعد حلم طويل منه، عن تجاوزاتنا).
ولكون الثمن من نفس جنس ونوع السلعة (أسهم سابك)، أطلق الغرب وصف القرض أو الاستعارة على البيع على المكشوف. فأدخل هذا، مع النزعة للتحريم، اللبس على بعض من أفتى بحرمة البيع على المكشوف، ظاناً أنه يكون على هيئة البيع المكشوف العاري، الممنوع قانونياً في أمريكا إلا لبعض صُناع السوق.
والبيع المكشوف العاري يكون في المثال السابق، بأن يبيع أسهم سابك قبل الظهر وهو لا يملكها، ثم يعود ويشتريها بعد الظهر، والفرق كبير هنا. فالبيع العاري قد زوَّر أو اختلق أسهماً ليست موجودة أصلاً، بخلاف المكشوف الذي اشترى أسهماً من مستثمر استراتيجي، (فهو لا يضارب بها)، (فالعاري شبيه بما فعلته البنوك في اكتتاب الأهلي، اللهم انه بالنقد، وكانت تفعله كثيراً أيَّام طفرة الأسهم).
وعموماً، حتى في حال لو سمحت سوق المال بالبيع على المكشوف العاري، مقترناً بتنظيمات لصناع السوق ونحوه، فحتى البيع العاري ليس محرماً شرعاً، فعماد دليل الذين يحرمون البيع المكشوف (ظانين انه العاري)، عمادهم حديثان اثنان: حديث «لا تبع ما ليس عندك»، وحديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ (ويفسرونه على أنه بيع الدين بالدين).
فأما حديث «لا تبع ما ليس عندك»، فالسلم بيع ما ليس عند البائع، وفي هذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا نسلم صحة هذه المقدمة (أي عدم جواز بيع المعدوم) فليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله، بل ولا عن أحد من الصحابة.
وأما حديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، فضعَّفه علماء الحديث ومن آخرهم المحدث الشيخ بن باز رحمه الله.
وثم بعد ذلك، فحتى لو افترضنا جدلاً صحة الحديثين معنى وسنداً، فإنه يُرد على المُحرمين، إن أعظم ما يمكن أن يقال بإن المكشوف العاري من البيوع باطلة، لا بيع ربوي. (فقد صاروا اليوم ينسبون كل معاملة للربا). فالعاري مع هذا الافتراض الجدلي، فإنه يكون محرماً من باب تحريم الوسائل، لا الغايات، وما حُرم لأنه وسيلة تزول حرمته بزوال ذريعة تحريمه، فكيف وقد صاحبه وجود مصلحة، فسوق المال لو سمحت به، فللمصلحة. قال ابن عثيمين -رحمه الله- في التفريق بين الوسيلة والغاية «ان نرده بالقاعدة المعروفة عند العلماء، وهي: (أن ما حرم تحريم الوسائل جاز للحاجة)؛ لأن المحرمات نوع ويضاف وعند زوال ذريعته».
نقلا عن الجزيرة
ليتك ركزت المقال علي الجانب الاقتصادي و الاثر علي السوق و تركت الكلام الشرعي لمقال منفصل شكرا لك
هذا من موقع الشيخ ابن باز : بيع الكالئ بالكالئ هو: بيع الدين بالدين، والحديث في ذلك ضعيف، كما أوضح ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام، ولكن معناه صحيح، كما أوضح ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه (إعلام الموقعين)، وكما ذكر ذلك غيره من أهل العلم. وصفة ذلك: أن يكون للشخص دين - عند زيد مثلاً - فيبيعه على شخص آخر بالدين، أو يبيعه على من هو عليه بالدين؛ لما في ذلك من الغرر، وعدم التقابض. و في فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز : ( معنى بيع الكالئ بالكالئ هو: بيع النسيئة بالنسيئة، أي بيع الدين بالدين، وهو غير جائز، وله صور منها: أن يبيع ما في الذمة حالاًّ من عروض وأثمان بثمن مؤجل لمن هو عليه أو غيره.)