هل مر عليك خبر إعلان وظائف في الصحف السعودية يقول: «مطلوب موظفين سعوديين» أو «الأفضلية للسعوديين» أو «للسعوديين فقط». هذه الصيغة نقرؤها منذ أكثر من 30 عاماً في الصحف وعلى جدران كثير من المحال، وبعد نشر الإعلان، حينما تتقدم للوظيفة تكتشف أنها ذهبت لوافد قدم بتأشيرة عامل، والسر من الإعلان أنها كانت فقط ليقرأها المسؤولون في وزارة العمل ويتأكدوا أنه بالفعل لم يتقدم أي سعودي لهذه الوظيفة، وليس من أجل توظيف السعوديين. لا أقول إنها طريقة ذكية للتحايل على وزارة العمل والجهات المعنية، ولكن لأن وزارة العمل كانت تصدق الشركات التي تزعم أنه لم يتقدم للوظيفة أي سعودي، وهكذا بقي السعودي «مهمشاً» كل هذه العقود، وبقيت وزارة العمل تصدق الشركات مثلما يروج محترفو الكذب مطلع «نيسان» (أبريل).
لو أننا جمعنا عدد المرات التي قيلت فيها كلمة «سعودة» في الصحف أو على لسان المسؤولين عن التوظيف في وسائل الإعلام وغيرها، فستكون ضعف عدد العمالة الوافدة الموجودة وربما أكثر، إلا أن الأرقام الأخيرة التي أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء في تقريرها عن سوق العمل لعام 2016. أولاً يجب أن نشيد بجهود هيئة الإحصاء، لأنها تساعد الباحثين والمهتمين في معرفة تفاصيل واتجاهات البلد ومعالجة الخلل. والشيء المفرح أن نشرة سوق العمل ستصدر بصفة دورية، وهي ربع سنوية، كما أن أسلوب وتفصيل نسبة المشتغلين والمتعطلين في كل منطقة هي التي كنا نطالب بها من قبل.
تعالوا نعود إلى التقرير، إجمالي عدد المشتغلين في المؤسسات الحكومية والأهلية، نحو 14 مليون عامل، نصيب العمالة الوافدة منها نحو 11 مليون وظيفة، ونصيب السعوديين ثلاثة ملايين وظيفة، لكم أن تتخيلوا من 31 مليون نسمة، يعمل فقط ثلاثة ملايين، وأشار التقرير إلى أن الباحثين عن العمل من السعوديين بلغ 917 ألف باحث عن العمل، ونسبة النساء الباحثات عن العمل تفوق الذكور، إذ بلغ عددهن نحو 740 ألف باحثة عن عمل، ونسبة الذكور الذين يعملون تبلغ نحو 67 في المئة، أما النسبة المتبقية، وهي 33 في المئة، فللإناث، وإذا اقتطعنا من ثلاثة الملايين موظف سعودي نحو مليون و400 ألف، وهؤلاء يحسبون موظفي الدولة، ويخضعون لنظام الخدمة المدنية، سيتبقى لدينا مليون و600 ألف موظف في القطاع الخاص، في المقابل هناك 11 مليون وافد بالتمام والكمال، جميعهم يعملون في القطاع الخاص، فهل يعقل هذا؟ هذا يعني أن جميع من تم استقدامهم يعملون في وظائف، إذا كان يوجد متعطلون في الوافدين فهم أولئك الذين قدموا للزيارة أو مرافقين، أو غيرهم من الجاليات المقيمة منذ سنوات ولم ينظر في أحوالهم أو أنهم يشتغلون أعمالاً حرة، وهؤلاء يزيد عددهم على مليوني وافد، مع جنسيات أخرى تستضيفهم السعودية لظروف سياسية.
من المفارقات الغريبة التي لاحظتها في التقرير، أن توظيف الفئة العمرية من 15 -19 عاماً مرتفعة لدى السعوديين في شكل لافت، بلغ مجموعهم أكثر من 72 ألف موظف، بينما لدى الوافدين بلغت فقط 2500 موظف، كنت أود أن أسأل أليست هذه السن العمرية هي مرحلة التحصيل الدراسي وليس البحث عن عمل، إلا إذا كان يعول أمّاً أو أباً عجوزاً، أو أبواه مطلقان فيتحمل مسؤولية نفسه، وهذا مؤشر يهم وزارة التنمية الاجتماعية لدرس أوضاع الفتيان الذين يلتحقون بالعمل في سن مبكرة، الأمر الآخر، وهو مؤشر أيضاً يحتاج إلى درس، وهو المرحلة العمرية التي يتنافس فيها الشباب لانطلاق حياتهم الوظيفية لبناء مستقبلهم، إذ يلاحظ في المرحلة العمرية من 20 – 24 عاماً، يعمل فيها 362 ألف سعودي، فيما تلاحظ أن النسبة مرتفعة لدى الإخوة الوافدين بنسبة عالية في مرحلة السن نفسها، وهي 765 ألف موظف، الشيء اللافت هو الذين يعملون في المرحلة العمرية من 25 – 44 عاماً، وهي أيضاً مرحلة سن مهمة لبناء المستقبل، وبناء الأسرة والاهتمام بمستقبلهم، عدد السعوديين الذين يعملون في هذه السن نحو مليوني سعودي فقط، بينما في جانب الوافدين يعمل ستة ملايين وافد فيها، أعتقد أن هذا الأمر يحتاج من الجهات المختصة معرفة نوعية الوظائف المتاحة هنا للإخوة الوافدين، ولا يقبل عليها السعوديون، سيلاحظ المراقب للتقرير أن معظم الوظائف الموجودة في سوق العمل، حصة السعودي الثلث، فيما يكون الثلثان للوافدين، وهذا يعني أن سيطرة كثير منهم على مفاصل المناصب الإدارية وغيرها من الخدمات والفرص الوظيفية، تعطى الأولوية للوافدين وأبنائهم وعوائلهم، فيما يحصل السعودي على النسب الضئيلة، وما يتبقى من الوظائف أو بقوة النظام من الجهات المختصة تذهب للسعوديين، وهذا على مضض من القطاع الخاص، إن لم تمارس كل أنواع التطفيش والتنكيل، أو تستفيد من المادة 77 في وزارة العمل، حق الفصل للموظف.
ووفق السجلات الإدارية التي اعتمد عليها فريق المسح الميداني، فإن أعلى نسبة للمشتغلين السعوديين كانت في الفئة العمرية 30 – 34 إذ حصدت نسبة 18 في المئة، وهذا مقبول، لأنها تمثل السن التي يتخرج فيها الشاب من الجامعة، أو أنه أنهى دراسته العليا، إلا أنه لايزال يواجه صعوبة، نتيجة أن الوافد يتغلب عليه بأجور مخفضة وتكاليف أقل في التوظيف، حتى من ناحية استقطاع التأمينات والتأمين الصحي، فشركات التأمين تكسب مبالغ طائلة من التأمين على الوافدين لأنها تأمينات طبية صورية وليست حقيقية، لهذا تتنافس الشركات في تقديم العروض المخفضة، ويقوم هو شخصياً باختيار شركة التأمين، بينما السعودي تدفع الشركة حصة عنه، كما أنها تختار شركة تأمين ذات جودة عالية وسعرها مرتفع، لأنه يؤمن على أبنائه وزوجته ووالديه، ويحصل على بدل محروقات ومواصلات، وفي معلومات عن إجمالي المشتغلين بحسب الجنس والجنسية موزعة على المناطق، جاءت منطقة الرياض برقم مخيف يدل على أن فوضى سوق العمل لديها تشكل قلقاً للمسؤولين، تخيلوا مقابل 663 ألف موظف سعوديين يعملون في القطاع الخاص، ثلاثة ملايين وظيفة يشغلها وافدون، وتليها منطقة مكة المكرمة، إذ يشغل الذكور السعوديون 395 ألف وظيفة، يقابلها مليون و900 ألف وظيفة يعمل فيها وافدون، وتحل المنطقة الشرقية في المرتبة الثالثة من حيث فرص العمل للوافدين، إذ يعمل فيها مليون و700 ألف وافد، مقابل 422 ألف سعودي.
نقلا عن الحياة
اذا تم تعديل أوقات العمل حتى ٨مساءا فأتوقع إقبال الشباب عليها سعودة الوظائف تزيد بمعدل الضعف