معضلة التضخم السالب و"السايبور"..هل توجد علاقة؟

06/04/2017 3
خالد أبو شادي

التضخم كلمة تبدو ذات وقع سييء لدى القاريء لإرتباطها بأثر سلبي "غالبا" على ما في جيبه من أموال، وعدم قدرتها على تلبية حاجاته اليومية ومتطلبات عيشه.

لكن مع دخول المملكة نطاق التضخم السالب لشهرين متواصلين مع نهاية فبراير/شباط، بدا الأمر مختلفا، حيث يبقى تراجعه هذا ايجابيا على ما لدى الفرد العادي أو المستهلك من أموال وبالتالي قدرته على الإنفاق.

لكن الأمر ليس بهذه الصورة الوردية غالبا، فإذا كانت ايجابية للفرد مع قدرته على تدبير حاجاته بمبلغ أقل مما هو معتاد، فإن تواصلها يكون سيئا للاقتصاد ومن ثم ستترك أثرا سلبيا على الفرد نفسه بشكل أو آخر، قد يصل مثلا لفقد وظيفته مع تعثر الاقتصاد وضعف الانفاق.

ومع تواصل رصد تبعات هذا الأمر وانعكاساته، فإن متابعة علاقته بالسايبور-سعر فائدة الاقتراض بين البنوك السعودية-تبدو هامة وذات دلالة، فعلى الرغم من تحرك مؤسسة النقد لرفع سعر الريبو العكسي الشهر الماضي 25 نقطة أساس إلى 1% تماشيا مع رفع الفائدة الأمريكية تراجع السايبور...لماذا؟

بحسب التقرير الذي نشرته "أرقام" قبل أيام فإن سعر السايبور  لثلاثة أشهر تراجع مع نهاية مارس/آذار إلى 1.73%، وهذا يعني وجود فارق 73 نقطة أساس بينه وبين الريبو العكسي الذي يقف عند 1%.

ومع تأخير المستهلك لقرار الشراء مع التضخم السالب انتظارا للمزيد من الهبوط في الأسعار يؤثر ذلك سلبا على حركة "الطلب" التي تعد "دينامو" هام لأى اقتصاد ويضغط ذلك بالتبعية سلبا على تحرك الاقتصاد نفسه.

ليس هذا فحسب، فالتضخم السالب يساهم بشكل واضح في رفع ما يسمي بالفائدة الحقيقية التي يحصل عليها الفرد نتيجة تأجيل قرار الشراء أو نظير "الحرمان من الاستهلاك" ومن ثم يزيد معدل ادخاره وترتفع الودائع لدى البنوك وتصبح لديها سيولة اضافية، ومن ثم يضغط ذلك على سعر السايبور الذي ينخفض بالتوازي مع تراجع الرغبة أصلا في الحصول على قروض لضعف "الطلب".

(سعر الفائدة الحقيقي يمكن الحصول عليه كحاصل طرح الفائدة الإسمية التي يعيطها البنك مقابل الودائع من نسبة التضخم وفي حالة التضخم السالب ستكون الفائدة الحقيقية حاصل جمعهما وليس طرحهما).

وهناك أمر ذا علاقة، حيث لا يتوقف الأثر بتراجع الطلب على القروض لخصوصية الاقتصاد السعودي المعتمد في تحركه بنسبة كبيرة على الإنفاق الحكومي، بل قد يمتد في عدم القدرة على تسديد ما تم اقتراضه للتعثر ومن ثم ينعكس ذلك سلبا على البنوك "بتضخم" الأصول الرديئة أو السامة، وبالتالي المزيد من هبوط سعر السايبور مستقبلا مع تواصل الإحجام عن الاقتراض.

وعلى الرغم من أن هذا الأثر لا يظهر بشكل آني مع ظهور التضخم السالب، بل في مرحلة متأخرة مع استمراره وتعرض الاقتصاد للركود، إلا أن له أثرا مضاعفا على البنوك المقرضة، حيث يتزامن مع التعثر في السداد تراجع قيمة الأصل الذي تم استثمار القرض خلاله، ومن ثم خسارة موجعة للبنك.

وتابعنا كيف واجهت و "تحاول" بنوك مركزية كبرى مواجهة هذه الإشكالية –أى التضخم السالب-مثل بنك اليابان والمركزي الأوروبي، لكن تبقى هناك اختلافات كبيرة لهيكلية كل اقتصاد، ولإعتماد السعودية على النفط، فإن تراجع أسعاره ساهم بالضرورة مع تباطؤ الإنفاق الحكومي في تراجع التضخم.

وتوازى مع ذلك ارتفاع الدولار-العلاقة عكسية بين الدولار والنفط- مما ساعد في دعم تحرك الريال المربوط به، ومن ثم يقلل ذلك تكلفة الاستيراد، وبالتالي يظهر الأثر على بيانات أسعار المستهلكين "التضخم".

وتعمد البنوك المركزية لخفض الفائدة لإطلاق العنان للسيولة كي تزيد العرض النقدي، ولكنها غير متاحة نظرا لإرتباط تحرك مؤسسة النقد بالاحتياطي الفيدرالي في هذا الجانب، ولذا تبدو خطوة رفع الريبو العكسي 25 نقطة أساس في مارس/آذار إجبارية لمنع تحول الودائع بالريال للدولار كي تستفيد من فارق الفائدة ومن ثم يضغط ذلك على قيمة الريال وتضطر "ساما" لإستنزاف الاحتياطي الدولاري دفاعا عنه.

ومع توقع إمكانية رفع الفائدة من الإحتياطي الفيدرالي ربما مرتين أو أكثر هذا العام، فإن تحرك "ساما" الموازي سيكون ضد السيطرة على التضخم السالب، وبالتالي يكون التركيز على ضخ سيولة "تحفيزية" مهما وعاجلا لمواجهة الأمر لمنع دخول الاقتصاد في ركود وما يتبعه من نتائج خطرة.

وفي النهاية تبقى الإشارة إلى ضرورة وضع مستهدف "مرونة" الاقتصاد في الحسبان، حيث تساهم بفاعليه في وقايته من التبعات السلبية ممتدة الأثر للدورات الاقتصادية، هذه المرونة تأتي من تنوع هيكلية الاقتصاد، ومصادر ايراداته.

خاص_الفابيتا