هل حساب المواطن اختراع سعودي؟

09/02/2017 16
د. إحسان بوحليقة

ليس اختراعا سعوديا، وبغض النظر عن تخريجات الاقتصاد السياسي، إلا أن ثمة أسبابا عملية تجعل «حساب المواطن» يكتسب المزيد من الاهتمام في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن فكرة «الدخل الأساس الشامل» (وهو – إن جاز التعبير – الاسم العلمي لحساب المواطن) ليست جديدة، كما بينت في المقال السابق.

وليس أدل على ذلك من أن دولة ضخمة سكانا واقتصادا مثل الهند قررت أن تتحرك باتجاه التخلي عن برامج الدعم والتموين المتداخلة والمتربعة على جبل من البيروقراطية والتعقيد، قررت أن تتخلى عن كل ذلك لصالح إيداع الأموال نقدا في حساب المواطنين الهنود المستحقين. ولعل من المبالغة القول أن لن تجد بلدا أكثر تعقيدا لتطبيق «حساب المواطن» من الهند، فمثلا شبكة البنوك لا تغطي البلد بكاملها، فثمة قرى بعيدة عن أي فرعٍ لأي بنك، يضاف لذلك أن عددا كبيرا من الهنود ليس لديهم رقم هوية وطني موحد (أدها) ويشمل حوالي 99 بالمائة من البالغين الهنود.

ورغم كل ذلك فقد قررت الهند التخلي عما يقارب 1000 برنامج تقليدي ومتهالك للدعم، لصالح إيداع مبلغ نقدي في حساب المستفيد، وسيكلف نحو 7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل البرامج القائمة التي تكلف نحو 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبذلك فإن الدعم المقدم للسلع التي تشمل بعض السلع الغذائية والمحروقات والكهرباء سينتهي في الهند لصالح الدفعة النقدية. وتماما، كما نسمع هنا فهناك من يعارض تلك المبادرة لاعتبارات منها أن المستفيد، قد يسيء التصرف في النقد فلا ينفقه على الضروريات بل على الكماليات!.

لكن أي انتقاد هو أقل تكلفة وإيلاما من فساد بعض القائمين على البرامج بما يتيح للمستحقين أقل من حصصهم! وكذلك، كما نناقش هنا، فالسؤال في الهند هو: من يستحق أن يقبض الدعم، ولذا فإنه ليس متصورا أن يكون الحساب «شاملا»، بمعنى أن يشمل كل المواطنين الهنود، بل قد يستبعد رُبع المواطنين باعتبار أنهم في بحبوحة.

وعلينا إدراك أننا نأتي لعالم «حساب المواطن» من خلفية مختلفة نوعا، وهي خلفية تقديم الدعم لجميع السكان، مثل الأرز المدعوم وحليب الأطفال المدعوم والمنافع المدعومة. والحديث عن خفض الدعم الحكومي لا يأتي من منطلق أن شركة أرامكو -مثلا- تحقق خسائر نتيجة لبيع البنزين دون التكلفة محليا، بل من منطلق السعر المرجعي، والأمر ينطبق على بقية السلع والخدمات، بمعنى أن المقارنة تقوم على حساب «الفرصة الضائعة».

ولذا، فلست ممن يقول إن وظيفة «حساب المواطن» محددة ومرتكزة حول «التعويض»عن إعادة هيكلة منظومة الدعم، بل لعل الأقرب ان «حساب المواطن» سيغدو الآلية الملائمة للمساهمة في تحسين كفاءة توزيع الدخل للمواطنين، إذ أن وظيفة «حساب المواطن» تتجاوز الضمان الاجتماعي ومكافحة الفقر، أو حتى دفع مخصصات البطالة، بل أوسع من ذلك لتشمل مخصصات لتغطية التأثيرات الناتجة عن التغيرات الاقتصادية وإعادة هيكلة الأسواق والتعامل مع تشوهاتها أو حتى تطورها، ومن أمثلة تلك التأثيرات: البطالة الناتجة عن الاستقدام الجائر، والناتجة عن الانكماش الاقتصادي، أو لدخول الأتمتة وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي ستلغي -بطبيعة الحال- العديد من الوظائف اليدوية ومنها وظائف كتابية. «ساند» حل مؤقت لا يصلح للحالات المزمنة والهيكلية، فالحاجة هي لحل شامل يخفف الضغوط الحياتية عن المواطن.

وهناك من قد يظن أن الدفعات النقدية ستجعل المواطنين كسالى واتكاليين، لكن الدراسات والبحوث المستفيضة لا تؤيد تلك المخاوف، إذ أن «حساب المواطن» لن يكون مبادرة يتيمة بل من المؤمل أن تتزامن مع سياساتٍ تعزز الاستفادة من الموارد البشرية السعودية وتدفع بها وتؤهلها لأفضل الوظائف، حتى لا تُجبر تشوهات سوق العمل الباحثين عن عمل من السعوديين على قبول أي وظيفة فقط لتغطية مصاريف الأكل والشرب والحصول على تأمين طبي للموظف وأسرته! باعتبار أن «حساب المواطن» سيودع نقدا كافيا يؤمن للأسرة الضروريات، وأن على الأسرة -مع ذلك- أن تسعى حثيثا للارتقاء بدخلها لتحقيق تطلعاتها وطموحاتها. بمعنى أن وضع خبز على المائدة ينبغي ألا يكون هو الدافع لقبول المواطن للعمل، بل تحفيز المواطن للبحث عما هو أفضل.

نقلا عن اليوم