أعلن في الرياض هذا الأسبوع البدء بتخصيص 16 جهازاً وقطاعاً تملكها الحكومة أو تدعمها من موازنتها، إضافة إلى 85 فرصة استثمار حُدِّدت في 17 قطاعاً حكومياً ستُطرح بنظام المشاركة بين القطاعين الحكومي والخاص. وقال الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للتخصيص في وزارة الاقتصاد والتخطيط تركي الحقيل إن «16 جهة جاهزة للتخصيص في المرحلة الأولى لبرنامج التخصيص اختيرت بعد درس وتقويم أجرتهما 147 جهة حكومية».
إن تخصيص بعض القطاعات الحكومية في السعودية هو أحد أهم ملامح «رؤية 2030» و «برنامج التحول الوطني 2020»، وبالتالي قد لا يصح الحديث اليوم عن مزايا التخصيص وعيوبه لأن الموضوع أصبح واقعاً محسوماً، لكن الحديث يجب أن ينصب على كيفية إنجاح برنامج التخصيص خصوصاً لجهة توافر شروط ضرورية ثلاثة هي: رفع كفاءة التشغيل، وتوسيع ملكية المواطن في المشاريع المراد تخصيصها ليكون حريصاً على نجاحها ومراقباً لعملها، ووضع برنامج دعم اجتماعي يقي أصحاب الدخول المنخفضة من ارتفاع تكاليف الحياة عليهم بعد التخصيص.
وبالعودة للجهات المعلن عن تخصيصها، يمكن تقسيمها اقتصادياً إلى نوعين: الأول، نوع غير مختلَف على تخصيصه، وبعضه خُصص فعلاً أو في طريقه إلى التخصيص بناءً على إستراتيجية التخصيص الصادرة عن مجلس الوزراء، والتي تستهدف تخصيص 20 مرفقاً، إضافة إلى ما جاء في «رؤية 2030»، ومنها خدمات الاتصالات، والموانئ، والنقل الجوي، والمطارات، والسكك الحديد، والأندية الرياضية، والبريد، وتحلية المياه. وهذه خدمات قابلة للتخصيص ووضعها الطبيعي أن يقوم بها القطاع الخاص.
الثاني، وهو نوع لا يزال موضع تساؤل لدى المواطنين، ويشمل خدمات التعليم والصحة خصوصاً، فالحديث عن تخصيص هذين القطاعين غير واضح، وهل معنى التخصيص هو أن التعليم والخدمات الصحية التي تقدمها الحكومة حالياً بالمجان سيتحملها جيب المواطن ويدفع كلفتها؟ أم أن التخصيص في هذين القطاعين سيكون جزئياً ومقتصراً على قطاعات فرعية داخل هذين القطاعين الرئيسين، مثل طباعة الكتب، والنقل المدرسي، وبناء المدارس، وبناء المستشفيات، وتأمين الأدوية وتوزيعها، وخدمات نقل المرضى (وفق إستراتيجية التخصيص). ولا يزال الحديث عن التخصيص في هذين القطاعين الحيويين عمومياً في شكل لا يهدئ قلق المواطن، ولذلك يجب على وزارة الاقتصاد والتخطيط توضيح الأمر للناس رداً على سؤالهم: ما هو المقصود بتخصيص التعليم والصحة؟
بالرجوع إلى ما ذكر عن ضرورة توافر الشروط الثلاثة في عملية التخصيص الحالية، والأول هو التشغيل، فهل لدى وزارة الاقتصاد والتخطيط تصور عن كيفية تشغيل القطاع الخاص للمشاريع المعلن تخصيصها بعد نقلها إليه؟ وكيف سيكون أثر ذلك على العمال؟ وعلى معدلات الرواتب؟ وعلى إيجاد فرص التوظيف؟ وهل سيفقد سعوديون وظائفهم بعد تخصيص المشاريع كما حصل في بعض الشركات الكبيرة؟ وكم نسبتهم؟ وكيف ستعالج الوزارة الأمر؟
الثاني، وهو الملكية، فهل هناك برنامج واضح مع التخصيص يضمن توسيع قاعدة ملكية المشاريع المراد تخصيصها فلا تتحول المشاريع من ملكية الحكومة إلى ملكية مجموعة قليلة من التجار والأثرياء، وهو ما ينافي إحدى أهم مزايا التخصيص وهي توسيع ملكية القاعدة العريضة من المواطنين للمشاريع المطروحة للتخصيص بما يضمن التوزيع العادل للثروة بين شرائح المجتمع، ويزيد مساحة الرقابة الشعبية على أداء وكفاءة هذه المشاريع بعد تخصيصها.
الثالث، هل يوجد لدى وزارة الاقتصاد أو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية برنامج دعم اجتماعي لشريحة الدخول المحدودة بما يضمن عدم تضررها من التحول إلى التخصيص. بحسب المعلن والمنشور لا وجود لبرنامج كهذا بالتزامن مع التحول إلى التخصيص حالياً، وهذا بلا شك خلل في عمل الوزارة المسؤولة عن التخصيص وكذلك الوزارة المسؤولة عن عدم تضرر الشرائح المنخفضة الدخول من التحول إلى التخصيص سواءً بفقد العمل أو ارتفاع كلفة الخدمة الواجب دفعها في ظل التخصيص.
ختاماً، برنامج التخصيص في السعودية أقرته أعلى الجهات التشريعية في البلد وتجاوز مرحلة الجدل حول جدواه وأصبح واقعاً ملموساً، ولذلك فإن ما تتطلبه المرحلة الحالية هو تعزيز المنافع وتحقيق أفضل المكاسب من هذا التحول اقتصادياً واجتماعياً وإدارياً وثقافياً. والأهم أن مشروع التخصيص هو مشروع يحتاج لنفس طويل، فكل المشاريع المعلن عن تخصيصها تحتاج إلى غربلة وفصل وتقويم وإعادة ترتيب هيكلي وإداري لتكون مجدية للقطاع الخاص للدخول فيها. وفي كل الحالات يجب أن لا ينسي طول الفترة الزمنية وكثرة التفاصيل القائمين على برنامج التخصيص، ضرورة تحقيق أفضل العائدات المباشرة وغير المباشرة على المواطن وعلى التنمية جراء التحول إلى التخصيص، وأهمها ضمان تحقق الشروط الثلاثة فترة التخصيص وخلاله وبعده.
نقلا عن الحياة
الخ تركي الحقيل تاخذ الامر من الجهات المعنيه وانا قلت الامر الاول يصرف لي صاحب الحق اول