العولمة الاقتصادية.. هل تعود إلى الوراء مع الرئيس ترمب؟

25/01/2017 0
د. محمد سالم الصبان

ربما لم يحظَ تنصيب أي رئيس أمريكي بحجم المتابعة عالميا مثلما حظي دونالد ترمب، بين كاره له، متحسر على وصوله إلى الرئاسة، وبين محب متخوف من مفاجآته، وتنفيذه لوعوده الانتخابية. ومنذ الجمعة الماضية -وهو يوم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة- ونحن نرى بدء التغييرات التدريجية في إطار الشعار الذي أطلقه، وهو: «أمريكا أولا»؛ وهو شعار دافع ويدافع عنه باستماتة من منطلق اقتصادي بالدرجة الرئيسية.

فهو طالب بإلغاء وإعادة التفاوض على العديد من الاتفاقيات التجارية العالمية؛ منها اتفاقيات التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، إضافة إلى تعطيله العمل بالتزامات اتفاقية الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ لعدم اقتناعه بأكذوبة المناخ التي أطلقها الغرب، إضافة الى احتمال قوي بانسحاب أمريكا من الاتفاقية بشكل كامل. وهو أيضا يطالب بفرض رسوم عالية على الواردات الصينية، بحجة سرقتها -هي وغيرها- وظائف الأمريكيين، بل وحتى استثماراتها المهاجرة إليها.

كل هذا إنْ تم تطبيقه -كما هو متوقع- فسيسجل ضربة قاصمة لمسيرة العولمة الاقتصادية، وللتفاخر بأنَّ العالم قد أصبح قرية واحدة.

والأمر كان سيختلف تماما لو أقدمت دولة نامية أو دولة أقل قوة من الولايات المتحدة على مثل هذه الخطوة، فأمريكا هي أكبر اقتصاد في العالم وتتسيَّد في معظم القطاعات الاقتصادية. وقد ساعدها انفتاحها على العالم وابتعادها عن الحمائية التجارية وإبرامها اتفاقات تجارية دولية ثنائية ومتعددة، ساعدها ذلك على الاندماج في بوتقة العولمة الاقتصادية، وعلى سير العالم في إثرها، على الرغم من تناثر ضحايا هذه العولمة في كل مكان، باستثناء الولايات المتحدة فهي قد حصلت وحلفاؤها الغربيون على معظم المزايا؛ نتيجة لضعف بقية الدول تفاوضيا وسياسيا واقتصاديا.

ومع حصول أمريكا على كل هذه المزايا نتيجة لتزعُّمها قطارَ العولمة، يريد ترمب الحصول على مزايا أكبر، من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية -بشكل خاص- بحجة «أمريكا أولا»، وما يتطلبه ذلك الشعار من القضاء على اختطاف الوظائف من العامل الأمريكي.

وموجة العولمة بشكل عام قد بدأت قبل مجيء ترمب، تأخذ طابعاً جديداً يتمثل في التأسيس لما يسمَّى بـ«الحكومة العالمية»، من خلال التفاوض وإبرام الاتفاقيات الدولية في كل الموضوعات المشتركة، ومن ثم تشكيل حكومة عالمية تشرف على تطبيق هذه الاتفاقيات مع عزلها الدول عن إدارة شؤونها السيادية. وأعتقد أن نهج أمريكا تجاه عُزلة اقتصادية سيضعف هذا الهدف، بل قد يؤدِّي إلى عدمِ تحقُّقه أو -على الأقل- تأخيره لسنوات عديدة.

وتراجع قطار العولمة قد يسمح للدول النامية -ودولنا الخليجية بصورة خاصة- بالمشاركة من جديد في إبرام مختلف الاتفاقيات وفْقَ ظروف ونتائج أفضل، إن نحن أحسنا استغلالها، وجيَّشْنا جيلاً من المفاوضين المدربين ليقودوا مصالح بلداننا إلى برِّ الأمان.

أتصور أنَّ ما ستتم إعادة التفاوض عليه دوليَّا سيشمل ليس فقط اتفاقيات التجارة بين الدول -ثنائيَّةً أو متعددة-، بل ربَّما يشمل أيضا بعض اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ومنظمة العمل الدولية واتفاقية التنوع البيولوجي، وبقية الاتفاقيات التي تشعر الولايات المتحدة أنَّها لم تحصل منها على ما ينبغي لها الحصول عليه من مصالح، بصياغاتها الحالية.

وكما ذكرنا، فلن يتحمل العالم أنْ يسير في تيار العولمة دون الولايات المتحدة؛ ولذا فهي حين تطلب إعادة التفاوض حول اتفاقية ما، فليس لدى العالم من خيار سوى الموافقة على الطلب، لأنه لا يتحمل خروجها وعزلتها. ونتيجة لتنافسيتها مع الدول الكبار اقتصاديا، فإن كثيرا من الدول ستجمد تطبيق التزاماتها أو تنسحب من الاتفاقيات التي انسحبت منها أمريكا، وهو ما يعرف بـ«تأثير الدومينو».

هنالك حملة عالمية -وأوروبية على وجه الخصوص- لِثَنْي الرئيس ترمب عن تنفيذ أجندته الاقتصادية والمناخية، ولشحن المنظمات غير الحكومية لإصدار إنذار تلو الآخر لترمب وإدارته، واضعةً أسوأ السيناريوهات المظلمة لما سيترتب على سياساته الانعزالية من نتائج لأمريكا وبقية العالم.

ولديَّ شكوك قوية في احتمال استجابة ترمب لهذه الحملة العالمية، فهو وإن خفَّف بعضاً من الحدة التي لازمت إعلان سياساته أيام الانتخابات، إلَّا أنَّ أساسيات هذه السياسات ما زالت باقية، وحتى اختياراته لفريقه العامل معه في مختلف الوزارات إنَّما تعكس اتِّجاه بقائه على الوتيرة نفسها ان لم يكن أقوى.

وعلى الرغم من كل هذه السلبيات، فقد تشهد فترة الرئيس ترمب تصحيحاً للعولمة؛ إذْ إنَّه قد بدأ أيضا بتهديد المنظمات الدولية بمطالبتها بأنْ تخضع للإصلاحات الضرورية. وهذه المنظمات تتمثل في الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين وبقية المنظمات التي تساهم فيها أمريكا بنصيب الأسد، كما أنَّ إعادة التفاوض على بعض الاتفاقيات يعني أننا سنبدأ فيها من جديد، محاولين تلافي أخطائها السابقة.

ولذا فعلينا أنْ نلتزم الحياد -على الأقل- وألَّا نُجاري مطالب الأوروبيين وغيرهم في الإعلان والمساهمة في الإطاحة بالرئيس ترمب أو عزله دولياً لو أراد عزل بلده.

نقلا عن عكاظ