تناولت في مقال الاسبوع الماضي مسألة قصر النظر الاداري «Managerial Myopia» وأنه قد يسبب تباينا ملحوظا لتوقعات الارباح مع الأرباح الفعلية للشركات المساهمة. ومن العوامل التي تؤدي لهذا التباين قيام عدة شركات دولية بإدراج توقعاتها ضمن تقاريرها المالية بشكل مقتضب دون التطرق الى اسباب تلك التوقعات، وأدى ذلك الى ظهور عرف في اسواق المال بوجود فقرة في التقارير المالية للشركات المساهمة تعطي للمستثمرين تصورا أوليا عن توقعات المديرين التنفيذيين لاداء الشركات على المدى القصير.
وحين تقوم المؤسسات المالية والبحثية بمهمة تحليل بيانات الشركات المساهمة فإنها غالبا ما تتطرق لتلك التوقعات التي تتبناها الشركات المساهمة لإضفاء المزيد من الانتقادات على تباين أداء الشركات المساهمة. وذلك ما تطرق اليه كل من «دانيلا سالتمان» و«جورج سيرافيم» في مقال منشور في يونيو من عام 2014 بمجلة هارفرد للأعمال اشاروا فيه الى ان اهتمام المديرين التنفيذيين بتحقيق توقعات الاسواق للربحية يشل من قدرة الادارة التنفيذية على تحقيق قيمة سوقية جاذبة للشركات المساهمة على المدى الطويل.
وقام كل من «مي تشينغ» من جامعة اريزونا و«سوبرمانيام» من جامعة جنوب كاليفورنيا و«جوان زانغ» من جامعة كولومبيا بدراسة ظاهرة نشر توقعات الشركات المساهمة لأدائها المالي والتي أدت الى تركيز المديرين التنفيذيين على تحقيق معدلات ربحية قصيرة المدى بالرغم من تأثير ذلك سلبا على الخطط الاستراتيجية لنمو الشركات المساهمة على المدى الطويل.
وتشير الدراسة الى ان بعض الشركات المساهمة توقفت عن نشر توقعاتها للأداء المستقبلي مما دفع العديد من الباحثين لمحاولة تحديد المنافع المحتملة من نشر توقعات الربحية ومقارنتها بآثارها السلبية على المدى الطويل. ومن الآثار السلبية الناجمة عن تركيز المديرين التنفيذيين على تحقيق معدلات الربحية المتوقعة ضمور الجهود والمبالغ المخصصة للابحاث والتطوير مما يقيد من قدرة الشركات المساهمة على التأقلم مع مستجدات واتجاهات العرض والطلب والذي يؤثر سلبا على نمو او استقرار الحصص السوقية للشركات المساهمة.
ومن الملاحظ وجود تخوف لدى بعض الشركات المساهمة من التوقف عن تطبيق هذا العرف حيث قد يعطي انطباعا سلبيا عن تدني مستوى الافصاح الذي تتبعه الشركات المساهمة. وبالرغم من هذه التخوفات الدارجة بين مديري الشركات المساهمة إلا ان مجموعة من المديرين التنفيذيين لكبريات الشركات المساهمة يتقدمهم المستثمر «وارن بافيت» تقدموا بمبادرة لرفع كفاءة اداء الشركات المساهمة تضمنت التأكيد على عدم وجوب قيام المديرين التنفيذيين بنشر توقعاتهم للربحية وترك مهمة ذلك للمحللين والمراقبين في اسواق المال لتفادي حدوث تضخم في توقعات الربحية تدفع الى خفض القيمة السوقية للشركات المساهمة على المدى الطويل.
ومن التجارب الدولية نستطيع القول ان اتزان اداء الشركات المساهمة يشكل عاملا اساسيا للنمو الاقتصادي خصوصا الدور الذي تلعبه الشركات المساهمة في استقرار التدفقات الاستثمارية واتساع ظاهرة الثبات الوظيفي لمنسوبيها، والذي يدفع العديد من الشركات المساهمة لتكون محط انظار ومتابعة مستمرة من بقية الشركات لكونها امثلة ملموسة لنجاح الكوادر المؤهلة في القطاع الخاص.
ولذلك لا بد من معالجة حالة التباين بين الارباح المتوقعة والارباح الفعلية والتي من آثارها ارتفاع حدة التذبذب غير المستقر لأسعار أسهم الشركات المدرجة في اسواق المال على المدى الطويل.
ومن الممكن معالجة التباين من خلال تركيز الادارة التنفيذية للشركات المساهمة على الاهداف طويلة المدى التي تحقق استقرار أداء الشركات المساهمة والتي بدورها تحقق استدامة معدلات الربحية. كما يتوجب تفادي المخاطر المرتبطة بقصر النظر الاداري لأن قصر النظر الاداري يمنح اولوية لتحقيق توقعات الربحية على حساب الحفاظ على البنية الاساسية للشركة المساهمة.
وبالتالي لا بد من معرفة اولويات الادارة التنفيذية حين يتم رسم الاهداف والخطط المالية السنوية لمعرفة الاتجاه الذي تسير عليه الادارة التنفيذية والتأكد من قدرتها على تمييز النمو المؤقت من النمو المستدام في حصصها السوقية حتى تتمكن الشركات المساهمة من تحقيق نتائج ملموسة تكفل استدامة واستقرار العوائد الاستثمارية للمساهمين.
نقلا عن اليوم