أسباب عدم تقيد الدول المصدرة للبترول بحصصهم

15/01/2017 3
د. أنور أبو العلا

لم يكن أحد من أساطير المحللين لأسواق البترول يتوقع أن ينخفض سعر البترول إلى بين 35 - 45 دولاراً للبرميل على مدى سنتين كاملتين (العامان: 2015 - 2016)، بعد أن كان سعر برميل البترول يتراوح بين 105 - 135 دولاراً على مدى أربع سنوات كاملة (2011 - 2014).

السبب في صعوبة فهم أسواق البترول هو أن لها خاصية لا توجد إلا في بعض السلع النادرة التي تكون ضرورية لا يستغني الإنسان عنها، وفي نفس الوقت لا يستطيع المشتري تخزينها بتكاليف منخفضة أقل من الزيادة المتوقع حدوثها في سعر هذه السلعة.

ينتج عن هذه الخاصية التي يتميز بها سوق البترول أنه يوجد أمام البائع للبترول سوقين مختلفين في وقت واحد، أحد السوقين يؤدي خفض الإنتاج إلى زيادة أرباح البائع، بينما في السوق الآخر يحدث العكس أي أن زيادة الإنتاج (وليس خفضه) يؤدي إلى حصول البائع على أرباح أكبر.

السبب في اختلاف هذين السوقين، هو أن منحنى الطلب في السوق الأول غير مرن أي أن زيادة الإنتاج تؤدي إلى خفض السعر بنسبة أكبر من نسبة زيادة المبيعات. بينما منحنى الطلب في السوق الثاني مرن، أي أن زيادة الإنتاج تؤدي إلى زيادة المبيعات بنسبة أكبر من نسبة انخفاض السعر.

مثال: سأستخدم روسيا الآن كمثال تطبيقي. لكن بإمكان القارىء الكريم أن يشطب اسم روسيا ويضع مكانها اسم أي دولة أخرى مُصدّرة للبترول.

للتبسيط نفترض أنه يوجد إدارة مبيعات مركزية عليا واحدة في روسيا مسؤولة عن تصدير (تسويق) البترول الروسي سيكون أمام هذه الإدارة سوقين لبيع بترولها.

السوق الأول: هو السوق العالمي الذي تبيع فيه جميع الدول المصدرة للبترول بترولها فإن إدارة مبيعات البترول الروسي من تجربتها العملية ستجد أنه في صالحها أن تتفق مع الدول الأخرى المصدرة للبترول على خفض صادراتها لأن الطلب في هذه السوق غير مرن. لذا فإن خفض إنتاجها سيؤدي إلى رفع السعر بنسبة أكبر من نسبة خفض مبيعاتها وبالتالي تزداد أرباحها.

السوق الثاني: هو السوق الخاص بالبترول الروسي بمعزل عن السوق العالمي حيث تجد إدارة مبيعات البترول الروسي أن منحنى الطلب في هذه السوق مرن يُغريها بأن تزيد إنتاجها لأن نسبة زيادة مبيعاتها ستكون أكبر من نسبة انخفاض السعر وبالتالي يزداد صافي أرباحها بزيادة إنتاجها.

الخلاصة: وجود سوقين متناقضين في وقت واحد، أحدهما تؤدي زيادة إنتاج البائع فيه إلى انخفاض أرباحه، والآخر تؤدي زيادة إنتاج البائع فيه إلى زيادة أرباحه، يدفع الدول المصدرة للبترول أن تتظاهر في السوق الأول بالتزامها علنا بالخفض بينما تحاول أن تزيد مبيعاتها بالخفاء في السوق الثاني.

وهكذا فإن سعر البترول يتحدد بشكل أكبر في السوق الذي يتم فيه التعامل في الخفاء أكثر من السوق الذي يتم التعامل فيه في العلن، وبالتالي يصعب التنبؤ بالسعر.

نقلا عن الرياض