هل حان اوان اليوان ؟

22/12/2016 0
محمد مهدى عبدالنبي

" يجب ان نلعب اللعبة كما صنعناها ، ويجب ان يلعبوها كما وضعناها "، هكذا قالها الرئيس الامريكى الاسبق ريتشارد نيكسون معلنا بدايه الحقبه الماليه التى يعيشها العالم من سبعينات القرن العشرين حتى الان ، فالسيد الدولار صار هو المقابل الرسمى لكل شىء من الذهب والنفط المخبىء تحت الارض مرورا بحقوق الملكيه الفكريه الساطعه من عقول البشر وصولا الى اسعار رحلات الفضاء الخارجى، تلك الحقيقه الاحتكاريه الراسخه التى تمتلكها الولايات المتحده الامريكيه تسمح لها بطباعه نحو 100 مليار دولار كل عام بشكل معلن لسد حاجة العالم المتعطش للورقه الخضراء التى يقدرها البنك الدولى بنهاية 2015 بنحو 11.97 تريليون دولار كحجم الاحتياطيات النقديه لدول العالم مجتمعه، تستحوذ الصين منهم على نصيب الاسد بنسبة 27 % بمقدار 3.23 تريليون دولار، ومن تلك النقطه ننطلق الى ثلاثة مشاهد صينيه هامه فى الاقتصاد العالمى.

* الصين والعالم

عواصف عام 2016 العاتيه اصابت الاحتياطيات النقديه للتنين الصينى المتشدد ماليا بفقدان نحو 180 مليار دولار فى دعم اليوان امام الدولار القوى لتبلغ احتياطيات بنك الشعب الصينى بنهاية نوفمبر 2016 نحو 3.05 تريليون دولار بعد عشرين عاما من النجاحات الاقتصاديه التى تمثلت فى ظهور معادله هامه ومختصره للاقتصاد العالمى، طرفها الاول السلع التجاريه حيث الصين المصدر الاول و المستورد الثانى لها عالميا، وطرف المعادله الأخر هو الخدمات التجاريه  حيث الصين المصدر الخامس و المستورد الثالث لها عالميا.

وربما خسارة الاحتياطيات الصينيه السنويه بنحو 180 مليار دولار هى الثمن الاول لنجاح تدويل اليوان بعد أعتماده رسميا كعملة احتياطى عالمى من قبل صندوق النقد الدولى بنسبة 10.92 % من مجمل عملات الاحتياط الخمسه حاليا، هذا الاعتراف الدولى المستحق باليوان جاء متأخرا بعد مواجهات اقتصاديه خارجيه وتحديات داخليه من حيث الدين والاستهلاك ومستوى المعيشه لأكثر شعوب الارض كثافه، اثبتت من خلالها الصين انها قادمه لقيادة الاقتصاد العالمى مره اخرى بحلول 2030 حسب رؤية البنك الدولى فى 2015.

* التنين الصينى والفيل الامريكى

يمكن تأمل وجه العلاقه السياسيه بين الصين و الولايات المتحده من خلال حدثين معبرين اولهما استقبال الصين الحذر لهنرى كسينجر وزير خارجيه امريكا فى عهد نيكسون فى عام 1971 لبحث عودة العلاقات الامريكيه الصينيه و ثانيهما استقبال الصين الباهت للرئيس اوباما فى مجموعه العشرين ببكين 2016، بين الاستقبالين 45 عاما من المعارك السياسيه المكتومه والحقائق الاقتصاديه المعلنه اهمها تفوق صادرات الصين بنحو 497.8 مليار دولار على الصادرات الامريكيه البالغه 161.6 مليار دولار فى التبادل التجارى الثنائى بينهما، هذا التفوق دفع المرشح الرئاسى دونالد ترامب لأطلاق تصريحاته الناريه فى مايو 2016 ضد الصين متهما اياها بأغتصاب و أغراق و ضرب الاقتصاد الامريكى.

وتشهد الفتره الانتقاليه منذ فوز ترامب لحين تنصيبه رسميا فى 20 يناير 2017 اكبر معدل هجوم اعلامى على الصين خلال النصف قرن الماضى من رئيس امريكى جديد يعد بالوقوف ضد سياسة الصين الواحده بالاعتراف مبدئيا بتايوان واحياء النزاعات السياسيه فى بحر الصين الجنوبى، هذا غير الاتهامات الاقتصاديه المستمره التى يطلقها ترامب على الصين بأنها اكبر سارق لحقوق الملكيه واكبر متلاعب عالمى بالعملات من خلال التخفيض المتوالى لليوان امام الدولار و كذلك خسارة امريكا لنحو 70 الف شركه صغيره بسبب انضمام الصين لمنظمة التجاره العالميه.

طلقات ترامب هدفها توريط الصين فى مستنقعات السياسه على حساب منحنيات الاقتصاد و هو ما تفهمه الصين جيدا و يتضح ذلك من خلال ردود الصحافه الحكوميه الصينيه  وتريث الاداره السياسيه لحين اشعار اخر.

* الصين والشرق الاوسط

بالعوده لمشهد اليوان الزاحف كعمله ثانيه فى التجاره العالميه فأن من اهم ملامحه حجم التبادل التجارى الذى بلغ 246.6 مليار دولار بين دول الشرق الاوسط و الصين فى عام 2015  ليتم تعزيز ذلك بأصدار ميثاق سياسه الصين تجاه الدول العربيه فى يناير 2016 الذى تعهد بقروض تقدر بنحو 385 مليار يوان لدول المنطقه، وهو ما فتح ابواب المنطقه للعمله الصينيه التى انشأت لها خليجيا مراكز للتسويه و المقاصه فى كلا من السعوديه و الامارات و قطر التى تستطيع منذ سبتمبر 2016 طبقا لنظام سعر الصرف المباشر اتمام مبادلاتها التجاريه مباشرة باليوان مع الصين دون الحاجه لوساطة الدولار الامريكى.

هذا بخلاف اتفاقيات مبادلة العملات خلال 3 سنوات التى عقدتها الصين مع دول مثل المغرب وتونس ومصر وتركيا وايران، لتتسع رقعة اليوان فى الشرق الاوسط وليلعب دور البديل بعد ان تمكنت الصين من بناء قوتها الاقتصاديه والسياسيه التى تمكنها من المشاركه الفعاله والمباشره فى قضايا العالم.

واخيرا، بعد تلك المشاهد المتشابكه فقد تقع فرصة تحريك ميزان القوى فى العالم الان فى يد دول الشرق الاوسط التى تستطيع تعزيز قوة اليوان على حساب الدولار للتتغير فيما بعد قواعد اللعبه الماليه التى اعلنها نيكسون ...

ويبقى سؤال قد يكون محل اهتمام وهو، هل اخذت رؤى 2030 لمعظم الدول العربيه فى حسبانها ان الصين قد تتربع على قمة الاقتصاد العالمى فى ذلك التاريخ ؟!

خاص_الفابيتا