بين الفيدرالي ومؤسسة النقد..من يتحمل تكلفة رفع الفائدة القادم؟

15/12/2016 4
خالد أبو شادي

تحرك البنك الاحتياطي الفيدرالي برفع الفائدة الأربعاء كما كان متوقعا خمسة وعشرين نقطة أساس مع تفاؤله بتحسن أداء الاقتصاد الأمريكي وخاصة سوق العمل وتوليد الوظائف.

القرار كان متوقعا بنسبة كبيرة فيما تنتظر الأسواق "المحك العملي" لاختبار سياسة "ترامب" ووعوده الانتخابية خصوصا فيما يتعلق بخفض الضرائب، وهو ما يتضاد عمليا مع الرغبة في إعادة تجديد "شباب الولايات المتحدة" عن طريق تحسين بنيتها التحتية.

هذا يعني للوهلة الأولى رفع معدل الاقتراض، فما الذي سيمول ضخ ما يزيد عن نصف تريليون دولار، بالتزامن مع تراجع كبيرمتوقع في ايرادات وزارة الخزانة من خفض الضرائب –اذا جرى تفعيله- بعدة تريليونات من الدولارات؟

وبغض النظر عما سيفعله "ترامب" وإن كان له دلالته لانعكاساته على المستوى العالمي بسبب وجود احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي بالدولار، هذا بجانب خدمة الديون المصدرة بالعملة الخضراء وتأثيراتها على الأسواق الناشئة، إلا أن هناك أمرا ذا دلالة بالنسبة للسعودية.

حيث أن التوقعات الحالية التي صاحبت قرار الفائدة تشير إلى مزيد من الرفع خلال عام 2017 بواقع ثلاث مرات في كل مرة 25 نقطة أساس أى سيقف الحد الأعلى لحيز الفائدة عند 1.50% بالمقارنة مع مستوى قريب من الصفر منذ عام 2008 حتى ديسمبر 2015.

ولأن الريال مربوط بالدولار منذ ثلاثة عقود، ومؤسسة النقد تتحرك برفع الفائدة "وهي عادة جميع البنوك المركزية المرتبطة عملتها بأخرى" بعمل تحرك مماثل لخطوة البنك المركزي صاحب عملة الربط الأساسية.

هذه الخطوة هامة لماذا؟ لأن ترك مؤسسة النقد الفائدة دون رفع يعني رفع مخاطر انتقال الأموال من مكانها حيث الفائدة أقل إلى مكان آخر حيث الفائدة أعلى.

بتوضيح آخر، حال وجود فائدة منخفضة على الريال مقارنة بالدولار، فإن طلبات القروض على الريال لتوظيفه في منتجات بالدولار ستتزايد، نتيجة لفارق الفائدة، وهو ما حدث في اليابان حيث المثال الشهير في تسعينات القرن الماضي مع السياسة التوسعية لاحتواء كارثة سوق العقارات مع خفض الفائدة على الين.

ساهم ذلك في تزايد الحصول على قروض بفائدة متدنية لتوظيفها في السوق الأمريكي، حيث الفائدة أعلى (كان ذلك لاحقا أحد مسببات فقاعة "دوت كوم"، حيث ساهم التدافع البيعي لحلول آجال سداد القروض المأخوذة بالين إلى انهيار أسهم شركات الانترنت والتكنولوجيا).

ومؤخرا تابعنا ارهاصات استقراء السياسة المشجعة على التضخم من قبل "ترامب" وأثرها السلبي على عملات الأسواق الناشئة مع تخارج رؤوس الأموال لا سيما في تركيا التي واصلت عملتها تسجيل مستويات قياسية منخفضة أمام الدولار رغم وجود أسباب أخرى داخلية.

مؤسسة النقد ستكون مجبرة في كل مرة يتحرك فيها الفيدرالي على رفع الفائدة مما يعني زيادة تكلفة الاقتراض في الوقت الذي تنخفض فيه معدلات الانفاق الحكومي المحلي للسعودية للسيطرة على عجز الموازنة ووقف الهدر.

هذا يعني رفع تكلفة الاقتراض ومن ثم تأثر المشروعات سلبا وقروض الأفراد في ظل الوقت الذي تسعى فيه المملكة للتقشف وتقليص دعم الطاقة.

وسيؤثر رفع الفائدة في الولايات المتحدة سلبا أيضا على سعر النفط، الذي يميل للتحرك عكسيا مع الدولار وهذا سيقلل بدوره رد الفعل الايجابي من تقليص دول "أوبك" وخارجها انتاجها للسيطرة على تخمة المعروض ورفع الأسعار.

تبعية السياسة النقدية المترتبة على ربط العملات مكلفة وتستنزف احتياطي عملات النقد الأجنبي خاصة مع تواجد كبير من العمالة الأجنبية التي تقوم بتحويلات منتظمة لبلادها وتراجع وتيرة تراكم الاحتياطي لانخفاض عائد النفط.

ورفع الفائدة الأمريكية الأخير أتي بعد تحقيق الاقتصاد نتائج ملموسة داخل بنيانه الحقيقي ومعالجة بعض تشوهات سوق العمل واضافة وظائف وتراجع معدل البطالة، أى أن السياسة النقدية نجحت في توظيف أدواتها لإكتساب وقت أمام صانعي القرار لدعم النمو.

يسمح ذلك بتبرير رفع تكلفة المنتج والتي ذهب جزء منها في توظيف عمالة ستقوم بتنشيط حقيقي للانفاق الذي يمثل العصب الرئيسي للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي " حوالي الثلثين".

وهذا الخيار ليس متوفرا بالضرورة لدى مؤسسة النقد المضطرة قسرا لرفع الفائدة، بغض النظر عن وضع الاقتصاد وسوق العمل، وبالتالي تكون هناك تكلفة اقتصادية متوقعة لكل رفع فائدة في ظل ظروف غير مواتية.

وتتحمل الدولة بشكل غير مباشر فارق التكلفة للمنتجات المستوردة في هذه الحالة، رغم توهم البعض أنها على عاتق المستهلك بالكلية، لكن ذلك غير صحيح، حيث سيمرر الفارق السعري الظاهري فقط "من دولار إلى دولار وعشر سنتات مثلا"، لكن في المقابل تبقى هناك خسارة للاقتصاد المحلي نتيجة زيادة تكلفة القروض ومن ثم تضرر المشروعات فسوق العمالة والانفاق الخ.

ان رفع الفائدة المتوقع في أمريكا العام القادم يرتبط بأداء اقتصاد في النهاية، وهو السبب في تأخير رفعها العام الحالي إلى آخر شهر فيه، وفي الوقت الذي أثبت فيه ارتباط الريال بالدولار صمودا ونجاحا خلال الفترة الماضية، فإن مع الأوضاع الراهنة تبقى "دراسة" مراجعة الآلية وتعديل مسارها للمدى المتوسط على الأقل وليس إلغاؤها مطلبا ملحاً لتفادي زلات الطريق.

خاص_الفابيتا