بعد أقل من أسبوعين من اجتماع "أوبك" التاريخي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، انضم منتجون مستقلون إليه وان كان بقدر يقل عما أعلن سابقا بحوالي أربعين ألف برميل يوميا ليماثل تقريبا نظيره في اتفاق عام 2001 عند 462 ألف برميل يوميا.
ومرة أخرى تثبت "أوبك" فاعليتها وجديتها بالتعاون مع كبار المنتجين خارجها لا سيما روسيا التي ستتحمل الجانب الأكبر من حصة الخفض "300 ألف برميل يوميا" على غرار السعودية بين نظيرتها من أعضاء "أوبك" "486 ألف برميل يوميا".
لكن يظل هناك قلق من الالتزام الحقيقي من جانب بعض المشاركين ، فيما بدأت السعودية بنفسها عندما أخطرت "أرامكو" زبائنها في الولايات المتحدة وأوروبا بخفض شحناتها بالمقارنة مع آسيا والتي فسرها دكتور فيصل مرزا على أساس ارتفاع المخزونات في أمريكا وأوروبا لمستويات عالية ومن ثم تكون أولى بنسبة خفض كبيرة.
ويعيد الإتفاق للأذهان ما حدث قبل 15 عاما عندما شاركت روسيا ضمن الاتفاق ولم تلتزم به فعليا، فيما تحاول اقناع الجميع هذه المرة بأن "الخفض الطبيعي" في انتاجها خلال الأشهر القادمة يعد مشاركة فعالة والتزام أمام الجميع لتغيير الصورة السلبية.
وفي كل الأحوال، النجاح يحسب لمنظمة "أوبك التي بدأت بنفسها"، ولأن "أوبك" هي السعودية والسعودية هي "أوبك" كما يقول الدكتور أنس الحجي، فإن الذي عاد لقيادة وضبط السوق هي السعودية..لكن لماذا الآن ولم يكن قبل ذلك؟؟
وبغض النظر عن الخوض في تفاصيل تبدو مستهلكة وقتلت بحثا مثل تعنت إيران ورغبتها الأكيدة في بلوغ مستوى انتاج ما قبل العقوبات ومحاولة طهران وضع العراق كعقبة كأدأء كبرى أخرى تحتاج لاستثناء على غرار ليبيا ونيجيريا، بجانب الحديث عن "انهاك" ميزانيات الدول الأعضاء في "أوبك" وان كانت نقطة جوهرية وأساسية، إلا أن هناك نقاط أخرى يجب النظر إليها تتعلق بشركة أرامكو تحديدا.
والمعروف أن كبار منتجي النفط في "أوبك" يعتمدون على شركات تابعة لسيطرة الحكومات المحلية، وهي احدى النقاط التي كانت مبررا واهيا في بعض الحسابات لعدم انضمام دولة بحجم روسيا للمنظمة، فهوة الاختلاف أكبر من ذلك وتمتد لعالم السياسة التي لا نهاية لنفقها.
ولأن معظم شركات النفط الوطنية أسست للحفاظ على الثروة الطبيعية للبلاد ومواجهة سيطرة وجشع "الشقيقات السبع" الشهيرة في عالم النفط والتي لم تكن "عادلة" في توزيع الايرادات النفطية على أصحاب الأرض، وهي مرحلة تطور تبدو عادلة بعد عقود من سيطرة الأجانب على مقدرات الانتاج ونضوج الفكر الاستراتيجي المحلي تجاه أهم سلعة استراتيجة كمصدر للطاقة في تلك الفترة من السبعينات والثمانينات.
البعض يرى أن عودة السعودية الآن لقيادة السوق بسبب "أرامكو" واكتتابها التاريخي المنتظر بعد عام تقريبا، مع تواصل الترويج له لجمع أكبر قدر من المال نظير حصة الخمسة في المئة من جميع أنشطة الشركة وليس عمليات "المصب" كما توقع العديد من المحللين بداية هذا العام.
الحقيقة أن سوق النفط تشهد متغيرات متسارعة حاليا بالتوازي مع التغيرات السياسية، ولأن منطقة الشرق الأوسط لاعب أساسي في تلك السوق، وبالتركيز أكثر على المنطقة العربية التي تشهد تغييرا كبيرا يعد الأبرز في تاريخها المعاصر، فلا يمكن عزل العوامل الجيوسياسية عن ذلك الفكر.
"أرامكو" شركة ضخمة وتمثل النسبة الأكبر من حجم الاقتصاد السعودي بما يقترب من النصف، وكذلك صادرات البلاد الاجمالية، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف على اكتتابها فمجرد تفسير الأمر من قبل البعض على أنه ليس فقط مساهمتها بقدر كبير في عملية التحول الاقتصادي في المملكة، والزج بها في حسابات التوازن الجيوسياسي مغامرة كبرى لا تبدو مقبولة للوهلة الأولى.
يمكننا الجدال بشأن رفع درجة الشافية لدى الشركة وجدوى ذلك، وكذلك تطوير عمليات الشركة تكنولوجياً وتوسعها، ومدى فاعلية الشركاء الاستراتيجيين الذين سيساهمون في الاكتتاب في توطين ذلك، أيضا يمكننا الجدال بشأن تأثير هؤلاء الشركاء الجدد على قرارات الشركة وتوجهها، لكن وصول الأمر للحسابات الجيوسياسية يشبه المقامرة بمقدرات الشعب وهو تصور غير مقبول شكلا وموضوعا،ولا يقبل ذلك التوجه"ضمير الحر" على نفسه.
وفي الوقت الذي تتغير فيه نظرة الولايات المتحدة نحو المنطقة وتمرير"جاستا" المفصل للسعودية تحديدا مع سعيها الحثيث لتقليص اعتمادها على النفط المستورد خارجيا بشكل عام واشكالية خط أنابيب كيستون الذي قد يوافق ترامب على اتمامه ومن ثم التأثير سلبا على صادرات السعودية من الخام لأمريكا، كيف سيكون مجديا الاعتماد على مجرد وجود "شركاء أجانب" في ضمان استقرار السعودية وإبعادها عن "حسبة" التغيرات الحادثة في المنطقة؟!
وبفرض صحة افتراض عودة السعودية لقيادة سوق النفط بسبب اكتتاب "أرامكو"، فهذا سيبدو مقبولا، فالدول تبحث عن مصالحها، إلا أن وضعها في معادلة التغير الجيوسياسي بالمنطقة مرفوضة تماما.
وأعتقد أن السؤال الذي يفرض نفسه في الوقت الحالي وان بدا غير ذا صلة مباشرة بما نناقشه: لماذا جاء الرجل الذي يدير "اكسون موبيل" "ريكس تيلرسون" والذي من المفترض تقاعده بعد عدة أشهر على رأس قائمة المرشحين لمنصب وزير الخارجية في ادارة ترامب؟ هل هو "الاعتراف الأكيد" بأهمية الاقتصاد في توجيه السياسة عن طريق قائد شركة تتحرك في شتى أنحاء الأرض..خصوصا لعلاقته مع "بوتين"؟
هل باتت المرحلة تستدعي المزيد من رجال البزنس في ادارة ترامب مع تزايد عدد المليونيرات بينهم والرغبة في اعادة "شباب أمريكا" وتحسين وجه بنيتها التحتية؟
واذا كان الأمر كذلك فما العيب أن تحشد السعودية كل امكاناتها نحو توجهها الاقتصادي الجديد بما في ذلك "أرامكو" دون شطط في تحليل وتصوير الأمر على أنه "خنوع" سياسي صرف ومن ثم اقتصادي أمام التحديات الراهنة!!
خاص_الفابيتا
ما شاء الله عليك أستاذ خالد مقال اكثر من رائع
تسلم استاذ ياسر وشرفتنا بمرورك
وقد يقود الاقتصاد السياسة هذه المرة ويكون هو المحرك الاقوى
نعم استاذ ناصر هو دائما يقود ولو من خلف الستار لكن هذه المرة رجال البزنس محتشدون
مقال رائع .. النفط والسياسة !