قبل انعقاد القمة الخليجية، كان هناك حراك لا تخطئه العين، الجولة الخليجية للملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود– يرعاه الله-، وسبقها بأسبوعين عقد الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنمية لدول مجلس التعاون في الرياض، والذي ترأسه سمو الأمير محمد بن سلمان، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة.
وقد خلص الاجتماع الأول للهيئة الوليدة لخمس نقاط: 1.اتخاذ جميع القرارات والخطوات التنفيذية التي من شأنها الارتقاء بالعمل الاقتصادي الخليجي المشترك، وتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال، 2. وضع جميع القرارات الاقتصادية التي سبق اتخاذها ولم تنفذ أو نفذت بشكل جزئي موضع التنفيذ الكامل والسريع واعتماد الآليات اللازمة لذلك، 3. إجراء مراجعة شاملة للسياسات والبرامج والمبادرات الاقتصادية والتنموية لمجلس التعاون بهدف تطويرها، وضمان كفاءتها، وفاعليتها، وفقا لأفضل الممارسات الدولية المتبعة، 4. تهيئة جميع العوامل القانونية والهيكلية والمالية والبشرية اللازمة لتطوير البعد الاقتصادي للعمل الخليجي المشترك، والوصول به إلى المستويات المتقدمة التي تم إحرازها في العديد من الميادين والمجالات الأخرى، 5. الاهتمام بجميع المواضيع والأمور ذات الصلة بالشأن الشبابي، وتوفير جميع أوجه الدعم والمساندة للابتكار ولرواد الأعمال من الشباب على النحو الذي يكرس دورهم كرافد أساسي من روافد الاقتصاد الخليجي، ومعين لا ينضب للأفكار الجديدة والمبدعة في الأنشطة الاقتصادية كافة.
ليس من التطرف القول إن على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إعادة ولادة المنظمة الجامعة لهم من جديد، فالمنطقة تمخضت عن واقع تكتنفه طلاسم تشابكت على مدى السنوات السبع الماضية، ويعززها ما يمر حاليا، وما سيتمخض عنه المستقبل القريب. المنظمات الناهضة هي التي تستبق الأحداث وأحيانا تصنعها وتهندسها. حاليا، مجلس التعاون كمنظمة إقليمية، يعاني عدم القدرة على مواكبة مرحلة زاخرة بالأحداث والمتغيرات ثقيلة الوطء، رغم أن منطقتنا لم تخل قط من التحديات، فما بدأ «كربيع عربي» نجده أصبح «كابوسا» يحمل سمات متقلبة لم نعهدها من قبل، وفي ركاب ذلك «الربيع» تفتت دول وأخذ الإرهاب فيها مأخذا بالغا وشاعت ثقافة تفتيت المفتت!
المنظمات الرتيبة هي منظمات تعيش لكن دون تأثير، موظفون يغدون ويروحون لكن دون «طحن» واضح. ونحن لا نريد لمنظمة مجلس التعاون أن تنشغل بالتوازنات البينية دون معالجة وحسم للملفات المستجدة التي تفرضها الساعة، ودون إنجاز ملفات مصيرية قضت دهرا بين أخذ ورد ومماطلة.
وبالقطع فمن مستجدات العلاقة بين دول مجلس التعاون أن تكون صيغة التعاون أكثر التصاقا بالواقع، فهناك من قولب وعرف وحاصر مفهوم «التعاون» حتى أصبح إطارا حابسا –حتى لا أقول خانقا- ليس فقط على المستوى الاجتماعي-الاقتصادي بل حتى فيما يتصل بدور الأمانة العامة والتزامات الدول لتنفيذ ما يتخذ من قرارات. فهناك من لا يريد أن يبرح «التعاون»، وفي نفس الوقت لا يريد أن يُفعِل «التعاون»! حتى أصبح «التعاون» اسما ووسما للتهاون في التنفيذ وللإطالة على تحقيق الاتفاقات، وكأن وقتنا لا سقف له!
وليس هناك حل عملي لتحقيق ذلك سوى توسيع صلاحيات الأمانة العامة للمجلس والارتقاء بها لتصبح مفوضية، وأن ينسى من يعمل في الأمانة العامة أنه «ممثل» لهذه الدولة أو تلك، بل أقترح أن تصدر لهم جوازات خليجية ليتذكر دائما أنه مواطن «خليجي» يمثل الدول الست، وليس مهمته أن ينافح عن مصالح دولة بعينها، فتلك مهمة مناطة بجهات أخرى.
وفي حال تطبيق هذا المفهوم الواسع والمُجرب، فسنرى مفوضا للشؤون الخارجية وآخر للشؤون الاقتصادية وثالثا للبنك المركزي الخليجي، وربما نرى مفوضا للسوق الخليجية المشتركة، وآخر للنقل والمنافذ. وستتمتع «المفوضية» بميزانية تمكنها من التنفيذ، وليس ميزانية فقط لعقد واستضافة الاجتماعات ولتدبيج محاضر الاجتماعات. وإن كانت بعض الدول الأعضاء قد اتخذت موقفا من موضوع الانتقال من صيغة التعاون لصيغة الاتحاد، فليس هناك ما يبرر ألا يتجه العمل بوسائل متطورة لإنجاز التل المتعاظم من القرارات غير المنفذة تنفيذا كاملا، فهي قرارات للمجلس الأعلى الموقر.
ومع ذلك فعدم حسم الانتقال من صيغة التعاون للاتحاد لا يتعارض بتاتا مع ترقية الأمانة العامة لتصبح مفوضية، حتى نتعاون بحماس وحرقة، وليكون على كل مفوض أن يتولى التأكد من تنفيذ الدول للقرارات المتخذة والتي تقع في جهة اختصاصه، وبذلك ستصبح الأمانة العامة (أقصد المفوضية) قاطرة للعمل الخليجي المشترك وليس مجرد حاضنة لاجتماعات اللجان على تفاوت مستوياتها ومسؤولياتها، فاللجان ليست هيكلا إداريا ملائما لاتخاذ القرار فما بالك بتنفيذه، ولعل اللجان –كآلية- تصلح للتشاور أو لصياغة مسودات القرارات، أما القرارات فتتخذ من قبل المجلس الأعلى، أما المجالس (ولا أقول اللجان) الوزارية فيناط بها التنفيذ المعجل عبر مفوضين مخولين.
لكن ما الذي نشاهده الآن؟ نشاهد عدم تقدم الملفات المحورية ذات الصلة بالملفات الاقتصادية وبالعملة الخليجية الموحدة، في حين أن هذا الوقت هو وقت إكمال التنفيذ، إذ ليس ملائما ألا نقر صيغة الاتحاد من جهة ولا نعمل بجد واجتهاد وتحرق لتفعيل صيغة التعاون، ولاسيما الملفات الاقتصادية-الاجتماعية، فهذه يجب ألا تُقيد بشرط أو ظرف، فنحن إخوة منذ الأبد وسنبقى –بإذن الله- كذلك للأبد، فبيننا وشائج دم وقربى، كما أن تحقيق انفراجات في الملفات الاقتصادية أمر يمس ويلمس نتائجه المجتمع برمته.
وحماس دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتنظيف الطاولة من الملفات، التي أصبحت سكنا، أمر ضروري تحقيقه، فالآن هو الوقت لتبين دول المجلس للعالم تعاونها وسط كل المتغيرات والظروف والتحديات. ولعل من الملائم أن تتخذ اللجان الوزارية القائمة خطوات تتصل بإقرار هيكلية جديدة لعمل المجلس، بما في ذلك الارتقاء بدور وصلاحيات الأمانة العامة حتى تستطيع أن تنفذ ما يُقر، لا يرأسها أمين عام يساعده أمناء مساعدون، بل يشرف على أعمالها مفوضون. وبوسعنا ألا نفعل، بأن نبقي الوضع على ما هو عليه، لكن تبعات ذلك ستكون أن أداءنا في الغد لن يختلف كثيرا عن الأداء في الماضي، وبالتالي تواصل عدم رضا عما ينجز.
ومن جهة أخرى، فثمة فرق بين الانشغال بإطفاء الحرائق وبين العمل الاستشرافي المبادر، كما أن السعي للتعامل مع قضايا –وإن كانت مهمة- ثم عدم إنجاز ملفاتها بالكامل بعد مضي سنوات طوال لا يرسم صورة إيجابية عن المنظمة وأدائها بل يرسم صورة «متباطئة ونمطية وراكدة»، ولذا أعود «لتنظيف» الطاولة مما هو متراكم لتعزيز الرضا الخليجي، فالأمور ليست كالمعتاد في منطقتنا، وهذا الإنجاز لن يتحقق بالأدوات المعتادة والتي جرت عليها العادة، إن لم تتوافر الموارد وتتعاضد الإرادة الجماعية لإنجازه. الأمر المبشر هو أنها في اجتماعها الأول وضعت الهيئة الوليدة المختصة في الشؤون الاقتصادية والتنمية في دول المجلس يدها على الجرح، الأمل معقود عليها أنه تداويه.
نقلا عن اليوم
تكلعن السعودية ولاتتهجم علي الخليج وترمي مشاكلك عليهم.. فالسعودية من تعاني بالتخبط والمشاكل وتعيش بسبات بينما الخليج يتطور