أخذاً بالاعتبار أن الناس يتفاوتون في تفاؤلهم وتشاؤمهم. اقتصادنا يبحث عن توجه ومسار. وهناك من يربط بين الرؤية وماكنزي. ومن يلقي باللوم على ماكنزي. إلقاء اللوم على ماكنزي بزخم أمر مستغرب بالفعل؛ فماكنزي لم تأت بجديد، وهي لم توظف نفسها بنفسها. هي استشاري أتى بناءً على دعوتنا.
فتحميل ماكنزي لن يحل لنا مشكلة، إذ إن مشكلتنا سبقت قدوم ماكنزي. لعل من المفيد بيان أن ماكنزي لم تأت بجديد فيما يتصل بالأهداف التي نتطلع لتحقيقها، فما قالته ماكنزي في تقريرها المشهور الذي نشرته نهاية العام الماضي (2015م) لم يأت تشخيصاً بما لا نعرفه، فنحن ندرك أن النفط لن يدوم، وإن دام فلن ينفرد بالساحة كما كان الوضع لعقود مضت، وأن التهديدات ستتوالى لتنال من ثقله الاقتصادي التقليدي. ومن دلائل ذلك أن الخطة الخمسية الأولى للمملكة، التي صدرت قبل 46 عاماً، كان لها ثلاثة أهداف رئيسية:
1- زيادة معدل نمو الإنتاج المحلي الإجمالي.
2- تطوير الموارد البشرية لتتمكن عناصر المجتمع المختلفة من زيادة مساهمتها الانتاجية وتمكينها من المشاركة الكاملة في عملية التنمية.
3- تنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على البترول عن طريق زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى في الإنتاج المحلي الإجمالي. أي: نمو اقتصادي، وتنمية الموارد البشرية المواطنة، وتنويع مصادر الدخل. جوهرياً، ليس فقط ماكنزي من لم تأت بجديد، بل لم يأت أحد- جوهرياً- بجديد منذ صدور الخطة الخمسية الأولى في عام 1970م، فكل الخطط التي أتت لاحقاً، كانت- ولا تزال- تدندن على «ألحان» لم تغفلها الخطة العتيدة، دون إهمال أن تفاصيل ورتوشاً هنا وهناك تتصل بالسياسات والأساليب والتوضيحات، أما في جوهر الأمر فما برحت الأهداف: نمو اقتصادي، وتطوير موارد بشرية، وتنويع مصادر الدخل.
إذاً، يمكن الجدل أن «حبكة» القصة ليس محورها ماكنزي. في ظني أن من «يلبس» ماكنزي طاقية اللوم، يلوم مَن «غير ذي صفة»، كما يقول القانونيون! لماذا؟ الذي حدث أننا لسنا فقط لم ننفذ أهداف خطتنا الأولى بالكامل على مدى 46 سنة، بل مع مرور الوقت فقد ازداد اعتمادنا على النفط وريعه وتجذر بطرق مباشرة وغير مباشرة. خذ مثلاً، الهدف الثاني للخطة الخمسية الأولى، حول تطوير الموارد البشرية لتدعم الإنتاجية. لقد سرنا بالاتجاه المعاكس في تنفيذنا ذلك الهدف، فأصبحت سوق العمل لدينا مشوهة، طاردة لأبنائها، معتمدة على الموارد البشرية الوافدة، وتئن من بطالة عالية بين المواطنين! وانظر إلى تنوع مصادر الدخل؛ سواء مصادر توليد القيمة المضافة أو مصادر دخل الخزانة العامة، كُلها تدور حول النفط دوران الرحى حول القرص!
وعوضاً عن أن يبحث بعض الباحثين في مشكلتنا الأساسية: لماذا لم ننفذ أهدافنا الثلاثة؟ وكيف بوسعنا أن ننفذها الآن، الآن وليس غداً؟ أخذوا يتابعون في أي البلدان فشل ماكنزي، وكأننا بصدد إعداد صحيفة اتهام! ليس لي علاقة بماكنزي، لكني ممن يعتقد أن ماكنزي بيت خبرة عالمي، وأن وضع اللوم على المستشار لابد أن يكون ضمن حدود، فهو يقدم استشارة، بعد أن يكون قد كُلِفَ بالعمل.
وتُنفذ استشارته بعد أن يُقرر المخول بتنفيذها. وليس رغبتي الدفاع عن ماكنزي، فهذا ليس شأني. بل رغبتي ألا نقضي 47 سنة أخرى نلوم الاستشاري الذي قدم الاستشارة بأنه أخطأ، عوضاً عن تناول القضية الجوهرية وهي أننا لم ننفذ أهداف خطتنا الأولى حتى الآن، وهي الأهداف التي تؤكد عليها الخطط المتتابعة، وأكد ويؤكد عليها المستشارون المحليون والاقليميون والعالميون.
التنفيذ هو المعضلة؛ فهو المشكلة وهو الحل في آنٍ معاً. عملياً، منذ العام 1970م نقول: إننا نريد تنويع مصادر الدخل لتخفيف الاعتماد على النفط، لكن عاما بعد عام كان اعتماداً على النفط يزيد، رغم أنه كان- عاما بعد عام- يتأكد لنا أن إيرادات النفط متأرجحة وأن وكالة الطاقة الدولية لا تدخر جهداً لإدارة الطلب وتقديم المحفزات والدعم الهائل لإيجاد مصادر بديلة للطاقة واجتراح تقنيات ترفع من كفاءة استخدام الطاقة الأحفورية. وفوق ذلك فخلال هذا المدى الزمني لم نهتم كثيراً بتنمية إيرادات الخزانة غير النفطية.
قضية التنفيذ قضيتنا نحن، وليست قضية ماكنزي أو أي استشاري آخر- عالميا أو محليا. نحن أتينا بالاستشاري، وحددنا نطاق العمل، فبعد أن ينهي دراسته انتهى دوره. المبالغة في إلقاء اللوم على الاستشاري أمر غير مناسب. قد يتحمل الاستشاري أخطاء مهنية إن ثبت وقوعها، أما لوم الاستشاري وتبرئة الذات فهذا أمر يدعو للاستغراب بالفعل.
نحن نحتاج أن ننفذ الرؤية، بلدنا بحاجة لخطة طويلة المدى وبحاجة لتنفيذها. أمامنا تحديات كبيرة شخصت منذ زمن، وأعدنا تشخيص التشخيص. فكيف ننفذ؟ الرؤية هي رؤية وطنية ينبغي أن تكون ملك الجميع، إذ لابد أن يساهم في تنفيذها الجميع.
الجميع يقول: إن العبرة بالتنفيذ، وهو ما كان غير مكتمل على مدى تاريخنا التنموي، التنفيذ هو الذي يكلفنا الوقت والموارد، وكذلك التراخي في التنفيذ يكلفنا الوقت والمال وضياع الفرص. وكذا، فلابد من التأكد أن المستهدفين في الخطة يملكونها ويساهمون فيها، وأن تكون مساهمتهم أكثر من مجرد تأييد عابر، فالرؤية التي بين أيدينا تنفيذها يعني مستقبل الجيل الحالي ومستقبل الأجيال القادمة، وسيأخذ منا الكثير من الوقت والمال مما قد لا تتاح الفرصة لاستعادته.
نقلا عن اليوم
فعلا كلامك صحيح يادكتور نعيب زماننا والعيب فينا ومال زماننا عيبا فينا احن من يقوم بتنفيذ عندما توضع خطة زمنية معينة لتنفيذ عمل معين مثلا خطط لتطوير القطاع الخاص ممثلا في المؤسسات والشركات كيف نطورها ونطلب منها القيام بدورها المناط بها من انشاء المصانع والاسكان ودعمها وتذليل كل الصعاب التي تحيل دون قيامها بكل سهوله ومن ثم يطلب منه العمل على خلق الوطائف للمواطنيين اما ان توضع امامه الصعوبات ويطلب منه التوظيف فهذا لن يتم بل يؤدي الى الخروج من السوق وبالتلي يؤدي الى مزيد من البطالة بين المواطنيين ماسهل الكلام وما اصعب العمل
بدون وجود شفافية وعدالة في تطبيق اي قانون او تنظيم لن ننجح ولو اتينا بمستشارين العالم !! مشكلتنا الاساسية هي انه هناك الكثيرون فوق القانون بل ويستمتعون بكسر اي قانون تضعه الدولة ومن هنا لن ننجح في تطبيق اي خطة !! وما زاد الطين بلة اننا احضرنا استشاري تاريخه ملئ بالاخطاء ونريد ان نقنع الناس باننا سائرون على الطريق الصحيح !! بل والاسوء من ذلك اننا لا نريد احداً ان ينتقده حتى لو اراد ان يقضي على المريض الذي احضرناه لعلاجه !!!!
وقف المخصصات وقف السرقات وقف الفساد والنهب وقف المحسوبيات والتلاعب وقف التبرعات وشراء الذمم
اشكرك يا د احسان و لكن المقال كله اعاده لبعضه ان المشكلة ليست في الاستشاري و لكن المشكلة في التنفيذ كان بامكانك ان تلخص كل الحشو بثلاثة اسطر و ممكن ان تكون في كلمتين ايضا. و شكرا .