تبذل العديد من الدول النامية جهودا لتعزيز صادراتها من اجل تحقيق معدلات ايجابية لميزانها التجاري إلا انها تواجه احتياجات تتطلب قبول ارتفاع معدل الواردات من السلع والخدمات ما يؤدي احيانا الى سلبية ميزانها التجاري او انخفاض معدلات النمو الايجابي للميزان التجاري.
وكانت الاحصائيات سابقا تقتصر على حساب قيمة الصادرات والواردات بين الدول بشكل مبسط اعتمادا على تجاوز السلع للحدود والذي يمنح تصورا مبدئيا لعمليات التبادل التجاري بين الدول، إلا ان تداخل عمليات الانتاج بين عدة شركات لها مواقع في دول مختلفة وتنامي الاعتماد على عدة مصادر لتوفير مكونات المنتج النهائي ادى الى اعادة النظر في طريقة رصد بيانات التبادل التجاري نتيجة ما يطرأ من اخطاء عند احتساب قيمة بعض مدخلات ومكونات المنتجات لعدة مرات في احصائيات التجارة الدولية. ولذلك كان لابد من جرد قيمة المدخلات في المنتج النهائي عند تجاوز تلك المكونات للحدود بين الدول حتى تعكس القيمة الحقيقية للميزان التجاري لكل دولة.
فمثلا، نجد ان الهاتف الجوال الذي تصدره الصين الى دول اخرى يتطلب مكونات تقوم الصين باستيرادها من كوريا وتايوان وعندما يتم احتساب قيمتها عند تصديرها من كوريا وتايوان نجد انه يتم احتساب قيمة تلك المكونات مرة اخرى في بيانات الصادرات الصينية مما يجعل بيانات التجارة الدولية متضخمة ولا تعكس حجم التجارة الدولية بشكل دقيق.
ومن اهم الادوات الاحصائية التي ساهمت في تصحيح بيانات التبادل التجاري الدولي هو مفهوم تجارة القيمة المضافة حيث انه يرتكز على معرفة الموقع الجغرافي لانتاج المواد الاولية والسلع الوسيطة وتقدير قيمتها عند تصديرها من دولة (أ) قبل تضمينها كمدخلات لمكونات المنتج النهائي في دولة (ب) المستوردة لتلك المدخلات. وبعدما يتم رصد قيمة السلعة النهائية عند التصدير يكون للدولة (ب) هامش ايجابي يعتبر قيمة مضافة تساهم في تحسن معدلات الميزان التجاري.
ولذلك يشكل مفهوم تجارة القيمة المضافة وسيلة لحساب كل قيمة مضافة ساهم بها كل قطاع في سلسلة الانتاج وصولا الى القيمة النهائية للمنتج الذي يصل الى المستهلك مما يصحح من بيانات التبادل التجاري التي كانت مضللة وتعطي تصورا خاطئا عن حجم اختلال الميزان التجاري بين الدول. ولذلك فإن تطبيق مفهوم تجارة القيمة المضافة يمهد لقراءة تطورات التجارة الدولية ومعالجة العقبات التي تقيد حيويتها من احصائيات لا تواكب مستجدات التبادل التجاري.
وكان ذلك ما دفع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لإعداد طريقة مستحدثة لحساب بيانات التبادل التجاري تقوم على مفهوم تجارة القيمة المضافة. وترصد تلك البيانات حركة السلع الوسيطة لـ 18 قطاعا في 56 دولة. وبالرغم من اهمية الجهد المبذول لرفع كفاءة الاحصاء لبيانات التبادل التجاري إلا ان نطاق تلك البيانات يقف عند عام 2011 والذي يفيد تأخر تلك البيانات عن رصد مستجدات قوى العرض والطلب الحالية والتي ممكن ان تختلف تماما عن ما تم رصده حيث ان هنالك فرقا بنحو 5 سنوات، إلا ان ذلك لا يمنع من توظيف تلك البيانات في رسم استراتيجيات طويلة الامد مرتبطة بنوع القطاعات التي تشير البيانات الى استقرار نموها.
وتكشف بيانات تجارة القيمة المضافة عن مدى تأثيرها في تحديد اولويات التبادل التجاري بين الدول حيث ان سلسلة الامدادات للسلع الوسيطة تفصح بشكل اكثر عن الشركاء التجاريين الاكثر اعتمادا على بعضهم البعض من خلال معرفة الدول التي تستفيد من وجود علاقات تجارية بين دول اخرى لا ترتبط بتبادل تجاري معها. فمثلا تتضح استفادة تايوان من التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة عندما تقوم تايوان بتصدير سلع وسيطة ومكونات للمنتج النهائي الذي تصدره الصين للولايات المتحدة، وبالتالي عندما نطبق مفهوم تجارة القيمة المضافة نجد ان الولايات المتحدة تشكل شريكا تجاريا اهم لتايوان مقارنة بالبيانات التقليدية التي تشير الى تموضع الصين كأهم شريك تجاري لتايوان.
وفي ورقة عمل لكلية دارتموث اعدها استاذ الاقتصاد (روبرت جونسون) اشار الى ان ثلثي التجارة الدولية تتكون من السلع الوسيطة بحيث اصبحت البيانات الاجمالية لحجم التجارة العالمية مشوهة ويجعل بيانات التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة اقل بنحو 40 بالمائة من البيانات المسجلة رسميا. ويذهب (روبرت جونسن) الى ان حوالي 50 بالمائة من محتوى السلع المصدرة من الصين كانت مواد مستوردة وان ظاهرة احتواء السلع المصدرة على مكونات مستوردة منتشرة في اغلب الدول المصدرة ويتراوح متوسط نسبة محتوى السلع المصدرة من الواردات ما بين 20 الى 30 بالمائة وقابلة للزيادة مع تطور التجارة الدولية.
هذه المفارقة بين البيانات التقليدية للتبادل التجاري وبين بيانات تجارة القيمة المضافة استحوذت على جزء من مناقشات الخبراء الاقتصاديين في الاحتياطي الفيدرالي الامريكي والذي اشار فيها (لوغان لويس) في ورقة عمل الى اهمية تطبيق مفهوم تجارة القيمة المضافة على بيانات الميزان التجاري والتي تفيد ان قطاع الخدمات يتجاوز قطاع انتاج السلع في نسبة الصادرات المساهمة في تحسين معدلات الميزان التجاري لاقتصاد الولايات المتحدة، حيث ان البيانات التقليدية كانت تعطي انطباعا خاطئا عن نوع القطاعات التي تساهم في تعزيز الصادرات الامريكية.
ومن الملاحظ ان اثر التعرفة الجمركية على التجارة الدولية بدأ يتضح اكثر من خلال بيانات تجارة القيمة المضافة حيث ان تداخل السلع الوسيطة في حدود عدة دول يجعل تكرار فرض التعرفة الجمركية خلال مراحل انتاج السلعة النهائية عبء على حيوية التجارة نتيجة تراكم قيمة التعرفة الجمركية في كل مرحلة من مراحل الانتاج المتباعدة جغرافيا وتفصل بينها مناطق لا ترتبط بنظام جمركي موحد. وقد تستطيع المنشآت الكبرى تحمل هذه الاعباء الجمركية لكن تطلعات المنشآت الصغيرة والمتوسطة للنمو قد تصدم مع عقبات تكرار فرض التعرفة الجمركية على مراحل الانتاج مما يتطلب معالجة هذه العقبات من خلال منح اعفاءات جمركية اذا تبين ان تلك السلع تدخل ضمن مراحل الانتاج للسلع النهائية.
كما يلاحظ ايضا ان بيانات تجارة القيمة المضافة كفيلة بالاجابة عن بعض الاسئلة مثل ما القيمة المحلية التي اضافتها صادرات دولة محددة على قيمة المنتج النهائي وعن ماهية القيمة التي اضافتها عدة دول للمنتج الذي تقوم احدى الدول باستيراده بالاضافة الى الاجابة عن القطاعات التي تقدم قيمة مضافة اكثر من غيرها ودور كل قطاع في تلك القيمة المضافة بناء على مميزات يتفوق بها ذلك القطاع مقارنة بقطاعات اخرى.
هذه التطورات الدولية في رفع كفاءة الاحصاء لبيانات التبادل التجاري توضح الحاجة لتبني مفهوم تجارة القيمة المضافة وادراجه ضمن مهام الهيئة العامة للاحصاء حتى يتمكن صانع القرار من معرفة القطاعات التي تساهم بشكل فعلي في تعزيز الصادرات السعودية. بالإضافة الى ان تعظيم المحتوى المحلي من السلع المستهلكة هو هدف استراتيجي ضمن برنامج التحول الوطني يتعلق بخفض الاعتماد على الواردات وهو الامر الذي يتطلب معرفة قيمة المدخلات والسلع الوسيطة التي تدخل في تكوين السلع التي تستوردها المملكة.
وعندما يتحقق لدينا تصور واضح عن قيمة تلك المدخلات واثرها على القيمة المضافة للسلع المستوردة فمن الممكن فتح المجال لانتاج تلك السلع الوسيطة والتي تشجع الشركاء التجاريين للمملكة في اختصار سلسلة الامدادات ليكون محتوى تلك السلع المستوردة متوافرا محليا مما يخفف من اثر قيمة الواردات على الميزان التجاري.
وعندما يتم الاستفادة من تعظيم المحتوى المحلي للسلع فإن قابلية تلك السلع النهائية للتصدير تمنح الميزان التجاري معدلات ايجابية تساهم في تخفيف العبء على ميزان المدفوعات للاقتصاد السعودي.
العديد من المنتجات العالمية تنتمي خاماتها إلى أكثر من دولة ويتم تصنيعها في موقع آخر
نقلا عن اليوم