الخيــال المفقــود

26/09/2016 0
محمد مهدى عبدالنبي

افضل ما تعلمته من البرت اينشتاين هو أن الخيال اهم من المعرفه وأن لا اتوقف عن طرح الاسئله وان المنطق يأخذنى من النقطه A الى النقطه B ولكن الخيال يأخذنى الى كل مكان ... شكرا اينشتاين.

ولا شك ان اكبر مثير مادى لطرح الاسئله هو الاقتصاد لما يتضمنه من ارتباط اصيل بحياة وسياسات الدول وحركة المجتمعات ، غير ان تفسير الماده بالماده والارقام بالارقام يفقدنى الاحساس بالقيمه ويحول تفكيرى الى جداول احصائيه ورسومات بيانيه لا تختلف عن اى عقل الكترونى لا يملك الخيال.

نعم انه الخيال ابو الفكره التى تجسدت مؤخرا فى دوله افتراضيه ضخمه اسمها الفيسبوك ... مستخديها اكثر من 1.6 مليار شخص يفوقون عدد سكان الصين ... انه الخيال الذى احتكره الساسه سرا لأنفسهم واحتقره الاقتصاديين علنا فى تحليلاتهم، لتبقى السياسه دائما فوق الاقتصاد بفعل قوة الخيال قبل اى شئ.

لكن خيال الساسه دائما ما يكون براجماتيا لطبيعة المصالح والتعقيدات الدوليه ... خيال يسخر الفكره المعنويه للسيطره والمنفعه الماديه من غزو الدول عسكريا لغزو العقول معلوماتيا وفكريا.

إلا ان اهل الاقتصاد يخلطون دائما بين الامنيه و الخيال ... فأكثرهم رومانسيه يحلم بعالم خال من الفقر ومعادلاته ترصد رقما تقديرا لمعدل الفقر العالمى قد يتجاوز قبل نهاية 2016 نحو 10% من عدد سكان العالم .... صنفوا الفقر رقما فى احصائيات وجعلوا الاقتصاد رصدا لبيانات ولم يتخيلوا ان التنمية الفعليه لا الشكليه لقدرات الفقراء تخلق دوره اقتصاديه جديده ربما تسرع من نمو الاقتصاد العالمى الذى يدعون تباطؤه، فأهل الاقتصاد لم يتخيلوا فى 2008 ان يصل النفط لربع اسعاره فى 2016 و تمسكوا بتقيمات السعر العادل كلما حل امر عاجل... اهل الاقتصاد يتذكرون احيانا علم النفس حين تبرير سلوك المضاربين فى الاتجاه الهابط ويتجاهلون ان شدة المضاربات والخسائر بين الصغار سببها وفرة طمع الكبار وفقر الخيال لديهم ... فيلجأون لحيل تحرك جمود النظريات وينتظرون تصريحا سياسيا يحرك ركود التداولات وينقذ التحليلات الفنيه من حيرتها المزمنه.

وبين السياسة والاقتصاد تلهو التصنيفات الائتمانيه التى تفكر بخيال السياسه ولكن بأدوات اقتصاديه لتشكل واقعا اختصره ﺗﻮﻣﺎﺱ ﻓﺮﻳﺪﻣﺎﻥ عندما قال ( إن ﻣﻮﺩﻳﺰ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻥ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻯ ﺩﻭﻟﻪ ﻓﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺼﻨﻒ ﺳﻨﺪﺍﺗﻬﺎ ﻭ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻰ ﺍﻗﺘﺮﺍﺿﻬﺎ ) ويوجد فى العالم اكثر من 150 وكاله اقتصاديه بحته للتصنيف الا ان وكالات ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻒ الامريكيه ﺍﻟﺜﻼﺙ الاشهر  " موديز و فيتش و اس اند بى " يستحوذون ﻋﻠﻰ اكثر من 85 % ﻣﻦ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺍﺻﺪﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﺪﻳﻮﻥ ﻓﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ بفعل السياسه قبل واقعية الارقام.

وهنا يطل السؤال الاصعب فى وجه الاقتصاديات العربيه التى تأمل فى التحول من اقتصاد الريع الى اقتصاد المعرفه و هو :-

هل لديكم القدره و القدر اللامحدود من الخيال لتحقيق ذلك ؟!

خاص_الفابيتا