في طرح أسباب صعود بعض الدول بسرعة الصاروخ في المجال الاقتصادي، وما حققته من زيادة هائلة في الموارد الاقتصادية، وبالتالي في متوسط دخل الفرد الذي وصل إلى 10 أضعاف ما كانت عليه خلال ربع قرن، يغفل كثير من رجال المال والاقتصاد والمنظرين الأكاديميين أو يتغافلون، عن ذكر سبب مهم وخفي هو «إرادة التغيير» وهو ما جعل دول بعينها وفي إقليم ثقافي واجتماعي وروحي واحد تحقق الفارق، في الوقت الذي سقطت بعض التجارب لبعض الدول التي تمتلك المقومات وفي أقاليم ثقافية أخرى مغايرة حول العالم.
وبالتالي فإن التغيير الاقتصادي في كل زمان ومكان، مرهون حتما بالإرادة السياسية وأحيانا بالحسابات الاجتماعية والثقافية المعقدة المتداخلة معها والتي غالبا ما تقف في طريقها.
شعوبنا العربية التي تلهث وراء زيادة دخلها الفردي بالدرجة الأولى، تبحث عن الأساطير، فهي ما تلبث تطرح نموذج «مهاتير» ماليزيا، و «كيوان» سنغافورة وغيرهم وتتغنى بهم، لكن فاتهم أيضا أن لحظة التغيير قد حانت هناك، سياسيا واجتماعيا وثقافيا وعقائديا، فأدرك هؤلاء القادة أن ثروة الأمم تتعلق بالنطاق الزماني والمكاني، وبالتالي سعت هذه الدول لتحقيق ما عجز عنه الآخرون في نماذج إقليمية وبيئات سياسية وثقافية أخرى موبوءة تاريخيا بالخوف والوجل من التغيير.
ففي الوقت الذي لا يمكن فصل حلقات ومكونات سلسلة هذا التغيير - تعسفا - السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية منها عن بعضها البعض، يثير هذا التغيير الريبة والتوجس في أدبيات التنمية التقليدية في أقاليم أخرى، في حين نجد بأن هذه الدول التي حققت الفارق وأحدثت التغيير لا يمكن فصل العمق الروحي والفلسفة التي تقوم على التضحية عن هذه التطورات، وهو الإطار الثقافي لهذه المنجزات والذي يعتمد في خلفيته على «النرفانا» أي الرضا الروحي في جوانب السياسة، الاقتصاد والعمل والانتاج، باعتبارها قيما مقدسة في منظومة الأخلاق، لكن في أدبيات التنمية الأخرى والتي تقوم على «الأسطورة» تقوم هذه المنظومة على قيم مختلفة وشبه مضادة، وبالتالي فإن هذه الأمم تنشد التغيير بالطريقة الأسطورية التي ترى أنها تحققت لهذه الدول بهذه الطريقة فقط!!.
نقلا عن عكاظ