هل سينجح اجتماع الجزائر في دعم استقرار سوق النفط؟

16/08/2016 5
د. سليمان الخطاف

ارتفع انتاج أوبك من النفط الى مستوى تاريخي لم يصل اليه من قبل عند 33.1 مليون برميل باليوم كما يعرض الشكل.

فبالرغم من الانخفاض الكبير والمتتالي باسعار النفط ومنذ منتصف عام 2014م، الا ان انتاج اوبك قد ارتفع بحوالي 2 مليون برميل باليوم عن مستويات عام 2014م، هذا مع العلم بان اسعار نفط سلة اوبك قد سجلت معدل 96 دولارا في عام 2014م و51 دولارا في عام 2015م.

ولقد وصل معدل سعر سلة أوبك الى 37 دولارا للعام الحالي أي بانخفاض اكثر من 60% عن المعدل السعري لعام 2014م، وهذا يعني اسعار أعلى الى التسابق الحميم مع دول خارج اوبك وشركات الزيت الصخري الأمريكية وفيما بينها لانتاج مزيد من النفط للحصول على المزيد من المال.

تتكون اوبك من 14 دولة وكل دولة تختلف في انتاجها وتصديرها النفط، فهناك الجابون التى تنتج 230 الف برميل باليوم فقط والمملكة التي تنتج 10.5 مليون برميل باليوم.

وعلى هذا الاساس لا يمكن المساواة بين دول اوبك فى الاهمية، وكذلك في الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط أو الضرر من انخفاضه، لكن وبشكل عام تعتبر دول اوبك وروسيا اكبر المتضررين في العالم من انخفاض اسعار النفط الذى يعد المصدر الرئيس لميزانياتها وانفاقها الداخلى.

وعلى سبيل المثال في منتصف عام 2014م سجلت اسعار سلة اوبك معدل 108 دولارات للبرميل، وكانت دول اوبك تنتج آنذاك حوالي 31 مليون برميل باليوم (بحساب اندونيسيا والجابون) أي ان قيمة ما انتجته اوبك كان يقدر بحوالي 3.3 مليار دولار باليوم.

وأما في الشهر الماضي من العام الحالي فقد انتجت دول اوبك حوالي 33.1 مليون برميل باليوم بزيادة 2 مليون برميل باليوم عن انتاج قمة الاسعار في منتصف عام 2014م.

ويقدر سعر سلة اوبك في الشهر الماضي بحوالي 42.3 دولار للبرميل أي ان قيمة نفط اوبك المنتج في شهر يوليو الماضي تقدر بحوالي 1.4 مليار دولار، وهذا يعنى ان ايرادت دول اوبك من صادرات النفط انخفضت الى أقل من النصف وأن عليها ان تنتج 2.2 ضعف الكميات التى تنتجها حاليا او بمعنى آخر رفع انتاجها الى 79 مليون برميل باليوم، لكى تحصل على نفس ايرادات منتصف عام 2014م، ولكن هذا مستحيل لا سيما ان مزيدا من الانتاج يعني مزيدا من انخفاض الاسعار أو كالهروب الى الأمام.

ويبقى الحل الحكيم لهذه المشكلة هو اتفاق جميع الدول المصدرة للنفط على خفض موثق ومهني للكميات التى تعرضها بالاسواق حتى يستفيد الجميع من ارتفاع الاسعار وبالتالى يمكن القول: إن اتفاقا تاريخيا يمكن ان يحصل بين هذه الدول.

وفى هذا السياق وفي ظل الهبوط الاخيرلاسعار النفط يبدو ان هناك اجتماعا يلوح فى الافق لمحاولة معالجة انخفاض الاسعار، حيث أعاد التلميح الى إمكانية عقد اجتماع غير رسمي للمنظمة في نهاية شهر سبتمبر المقبل على هامش منتدى الطاقة الدولي في الجزائر الى اوبك امكانية لعب دور أساس بدعم الاسعار بالتنسيق بين الدول المصدرة على خفض المعروض النفطي بالاسواق العالمية.

وفى هذا الصدد اشار وزير الطاقة والصناعة المهندس خالد الفالح إلى أن اجتماع الجزائر سيناقش الوضع في السوق بما في ذلك أي إجراء محتمل قد تتطلبه إعادة الاستقرار للسوق.

والحقيقة انه ومنذ أن اتبعت اوبك في شهر نوفمبر من عام 2014 سياسة ترك الاسواق تعمل بحرية وتركت لها تحديد الأسعار، والاسعار في انخفاض مستمر بسبب تخمة المعروض من اوبك وخارج اوبك، وهذا ما جعل بعض أعضاء «أوبك» يدعون الى خفض الانتاج بغية السيطرة على الاسعار، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل.

ونتيجة لانخفاض الاسعار حاولت الدول المصدرة تعويض نقص ايراداتها بزيادة كميات البيع وعلى اثره قامت دول اوبك وروسيا ومازالت تقوم بضخ مستويات عالية الامر الذي أغرق السوق بمزيد من الخام ودفع الأسعار نحو المزيد من الهبوط.

وأما روسيا - أكبر منتج للنفط في العالم خارج اوبك - فمن الضروري ان تكون ضمن أي صفقة لتجميد أو خفض الإنتاج، وقد نقل عن وزير الطاقة الروسي مؤخرا قوله: إن موسكو ستكون مستعدة لبحث تجميد إنتاج النفط إذا انخفضت الأسعار بدرجة كبيرة، لكن الوزير نفسه كان قد صرح في الماضي بان على دول اوبك خفض انتاجها أما روسيا فلن تستطيع عمل ذلك بسبب الشركات العالمية التى تعمل بها وهو عذر لعدم خفض الانتاج.

وكان الانتاج الروسي قد وصل في منتصف عام 2014م الى 10.4 مليون برميل باليوم، وارتفع الشهر الماضي الى حوالي 11.01 مليون برميل باليوم، وهذه هي أصل المشكلة فعندما كانت اسعار النفط فوق 100 دولار كان الانتاج الروسي اقل من الانتاج الحالى بحوالي 0.6 مليون برميل باليوم، وهذا يعني ان روسيا ايضا رفعت انتاجها من اجل الحصول على المزيد من المال.

لو تم الاتفاق على خفض انتاج دول اوبك بحوالي مليون برميل باليوم وخفضت دول خارج اوبك بقيادة روسيا انتاجها بحوالي مليون برميل باليوم لاستطاعت السوق ان تستعيد جزءا من توازنها ولربما صعدت الاسعار الى مستويات 70- 80 دولارا، لكن توجد مشكلة صغيرة ومزمنة لمصدري النفط وهي ان أي ارتفاع في اسعار النفط سيعيد كابوس الزيت الصخري مرة أخرى، وسيبدأ الانتاج في الارتفاع السريع لا سيما ان معظم شركاته تعاني من الخسارة والديون المتراكمة وتريد استغلال أي فرصة لاستعادة أموالها.

وعلى كل حال تتوقع ادارة معلومات الطاقة الامريكية ان يصل انتاج الزيت الصخري الى حوالي 4.2 مليون برميل باليوم بنهاية العام الحالي، وان يرتفع الى 5.5 مليون برميل باليوم في عام 2020م تكون معظمها من امريكا والقليل من خارجها.

وتتوقع الادارة الامريكية ان يصل اجمالي انتاج الزيت الصخري في العالم في عام 2040م الى 10.4 مليون برميل باليوم منها 7.1 مليون برميل من امريكا وحوالي 1.4 لكندا والارجنتين، واما الباقى فسيكون من نصيب المكسيك واستراليا وروسيا، وهذا يعنى ان انتاج الزيت الصخري سيزداد بحوالي 6 ملايين برميل باليوم في 15 سنة، وهنا يأتى السؤال: هل الانتاج الصخري يستطيع ان يهدد دول اوبك؟ وهل من الافضل للجميع ان ترتفع الاسعار الى 70-80 دولارا بدلا من الاسعار الحالية 40 - 50 دولارا.

قد يكون من مصلحة دول اوبك ان ترتفع الاسعار الى المستوى المتوسط، وبذلك تستطيع دولها ان تستفيد خاصة في ظل اقتراب بعضها مثل فنزويلا من الافلاس.

الامل في ان يستطيع اجتماع الجزائر المرتقب اقناع جميع مصدري النفط بضرورة العمل المشترك وان يقنعهم بالمصير المشترك وان أي خلل وغياب الاستقرار في سوق النفط سيضر بالجميع.

والحقيقة.. يحتار المرء لماذا لا تتفق هذه الدول على تخفيض المعروض حتى تستفيد من ارتفاع الاسعار؟ ولماذا لا يتوصلون الى آلية لبعث الثقة والطمأنينة فيما بينهم؟.



نقلا عن اليوم