يعتبر عبدالرحمن ابن خلدون فلتة عصره وعصر من بعده فهو الحضرمي الأصل التونسي المولد والنشأة والتعليم، تخرج من جامعة الزيتونة العريقة وتنقل بين مدن شمال افريقيا إلا أنه استقر به الحال في مصر حيث اكرمه سلطانها الظاهر برقوق وولي فيها قضاء المالكية وظل بها ما يناهز الخمسة وعشرين عاما حتى توفي رحمه الله في عام 1406 عن عمر ناهز ستة وسبعين عاما تاركا وراءه إرثا علميا عظيما ما زال تأثيره الحضاري وسيظل ممتدا عبر الزمن.
كما أنه مفكر موسوعي فهو مؤسس علم الاجتماع وعلم الاقتصاد حتى وان نسب من غير المنصفين لغيره بالإضافة لكونه من علماء التاريخ.
له إسهامات علمية شديدة التميز في التربية والفلسفه والادب والسياسة والدين وتعتبر مقدمته هي أول موسوعة في العلوم الانسانية بل هي باكورة العمل الموسوعي قبل ظهور الموسوعات بشكل كبير بحوالي خمسة قرون.
تصدى بالبحث والدراسة والكتابة لأهم القضايا الاقتصادية على الاطلاق وهي قضية العمران وهي القضية التي تشغل بال جميع دول العالم سواء كانت متقدمة أو نامية ومن أهم آرائه الاقتصادية لتحقيق العمران ودوامه
أن العمران يرتبط ارتباطا إيجابيا بالالتزام بالدين وبما جاء عن الشارع الحق وهو الله سبحانه وتعالي حيث ان مقصود الشارع بالناس هو صلاح دنياهم وآخرتهم وان الشريعة الاسلامية هي السياسة التي تمثل المرجعية العليا للمسلمين وهي الشرط الضروري لتحقيق النمو والاستقرار .
ولما كانت الحرية في الاسلام تتفق مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها وان الاسلام هو دين الحرية وهي الحرية المسئولة فقد ركز ابن خلدون على ضرورة تحقيق الحرية الاقتصادية التي هي جزء من الحرية بوجه عام والتي تشمل حرية العمل والانتقال والتجارة والإنتاج فهي تحقق المنافسة الشريفة وتؤسس للانطلاق الاقتصادي القوي نحو التقدم.
كما أنه يرفض رفضا قطعيا تدخل الدول المباشر في الإنتاج والتجارة بما يترتب عليه من اضرار اقتصادية كبيرة وقد حذر ابن خلدون من ان تكون الدولة تاجرا أو منتجا تزاحم الأفراد في أعمالهم فمن أقواله (إن تجارة السلطان مضرة بالرعايا ومفسدة للجباية) أما سياسة ابن خلدون المالية فهي تقوم على عدم زيادة ضرائب والتي تؤدي من وجهة نظره إلى تراجع الناتج الإجمالي نتيجة لتأثيرها السلبي على الأسواق بسبب فقدان التجار والمنتجين للحافز الاقتصادي.
كما يؤكد ابن خلدون علي أهمية العلم للعمران وأنه لا يمكن حدوث عمران حقيقي بدون علم وكذلك علي اهمية وجود مؤسسات قوية للدولة وخاصة القضائية التي تحقق العدل بين الناس والسياسية التي تحمي الدولة من الاعتداءات الخارجية كما أنها تؤمن حماية الحقوق والممتلكات للمواطنين .
وحتى يتحقق العمران ويدوم في المجتمعات يحذر ابن خلدون من الظلم الذي يمكن أن تمارسه حكومات بعض الدول والذي يتمثل في العدوان على الناس ومصادرة أموالهم دون وجه حق، كما انه يرى أنه من اشد انواع الظلم واعظمها في إفساد العمران تكليف الاعمال وتسخير الرعايا بغير حق.
رحم الله العلامة ابن خلدون فخر الأمتين العربية والإسلامية.
نقلا عن لوسيل