من منا يتذكر اتفاق السوق العربية المشتركة؟ وقع الاتفاق بمقتضى قرار صدر عن مجلس الوحدة العربية في 13 آب (أغسطس) 1964، أي قبل 52 سنة. وبدأ الاتفاق بعضوية أربع دول عربية هي الأردن وسورية والعراق ومصر، ثم اتسع ليشمل ليبيا وموريتانيا واليمن وفلسطين وبقية البلدان العربية.
وبنيت آمال كبيرة على تنفيذ بنود الاتفاق وإنشاء منطقة تجارة حرة بين الدول الأعضاء وتعزيز التجارة البينية بين تلك الدول، وتوحيد التعرفة الجمركية، أي إقامة اتحاد جمركي، وتأمين فرص للاستثمارات المشتركة والبينية.
وبناء على ذلك الاتفاق، وُقع عدد كبير من الاتفاقات التي تنظم الأعمال ذات الصلة مثل ما يتعلق بالمواصلات أو اليد العاملة والتأمينات الاجتماعية. لكن على أرض الواقع، واجهت عمليات تنفيذ بنود الاتفاق والبروتوكولات المصاحبة عراقيل عديدة، ولم تحقق الثمار المنشودة.
وأشار تقرير للاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية في نيسان (أبريل) 2015، إلى تواضع مستويات التجارة العربية عموماً والبينية خصوصاً، إذ تمثل الصادرات العربية 6.2 في المئة من إجمالي الصادرات العالمية، وفق أرقام 2014، في حين تمثل الواردات العربية 3.8 في المئة. وبلغت قيمة الصادرات العربية 1.5 تريليون دولار والواردات 1.2 تريليون دولار.
لكن التجارة العربية البينية ظلت متواضعة، إذ بلغت الصادرات البينية 8.6 في المئة من الصادرات العربية الإجمالية، والواردات البينية 13.4 في المئة من الواردات العربية الإجمالية. وبلغت قيمة الصادرات العربية البينية 112.9 بليون دولار والواردات البينية 114.3 بليون، وفق أرقام 2013.
معلوم أن النفط يمثل مكوناً بارزاً في الصادرات العربية إلى مختلف بلدان العالم، وبذلك يمكن الاستنتاج أن تجارة العرب مع العالم هي تجارة نفط فقط، وتمثل الدول النفطية العربية، دول الخليج والجزائر والعراق وليبيا، أهمية كبيرة في تلك الصادرات ومن ثم أهمية في علاقات العرب الاقتصادية مع بقية دول العالم.
وربما كانت الصادرات من السلع الزراعية ذات أهمية للدول العربية قبل بداية عصر النفط، لكن أهمية تلك السلع تراجعت في شكل حاد ليس فقط بسبب طغيان أهمية النفط منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، لكن أيضاً لتدهور القطاع الزراعي وإهماله من الإدارات السياسية المتعاقبة منذ ذلك الوقت.
لذلك أصبحت الدول العربية مستورداً صافياً تقريباً للسلع الزراعية والغذائية، ويواجه بعض الدول العربية مشاكل في الحصول على تمويلات لمواجهة متطلبات الاستيراد من تلك السلع الحيوية والمتعلّقة بمتطلبات المعيشة للسكان.
إن أهم معوقات التجارة والتكامل وتعزيز فرص التنمية المتوازنة في البلدان العربية تبقى سياسية، إذ تعطل الأوضاع غير المستقرة في العديد من هذه البلدان وكذلك عدم توافق العلاقات بين البلدان العربية، إمكانات استثمار مختلف الإمكانات الاقتصادية.
وربما نجحت بلدان الخليج في تطوير منظومة مجلس التعاون الخليجي وتمكنت من تعزيز العلاقات الاقتصادية إلى درجة كبيرة، وإن كان العديد من المراقبين غير مقتنعين بمستوى ذلك التطور، إذ لا تزال المشاكل تواجه الاتحاد الجمركي وثمة عدم تطويع للقوانين المحلية في مختلف هذه البلدان لتعزيز التكامل الاقتصادي وعدم توظيف للعمال الخليجيين على أسس منهجية بما يخفف من الاعتماد على العمال الوافدين.
وتعطل اتفاق الوحدة النقدية بعدما كان يفترض أن يبدأ تطبيقه منذ مطلع 2010. بيد أن الكتل الاقتصادية العربية الأخرى، لم تحقق نتائج تذكر بالمقارنة، ومن أهم تلك التكتلات الاتحاد المغاربي.
المثير للحيرة أن انتفاضات الشباب العربي منذ بداية عام 2011 تمخضت عن مزيد من تراجع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض تدفقات الاستثمار. ويبدو أن آليات التطوير للأوضاع السياسية أصبحت معقدة بعدما بدأت بلدان عربية تواجه اضطرابات وعنفاً وإرهاباً بما عطل الحياة الاقتصادية ودفع قطاعات اقتصادية مهمة إلى التراجع مثل قطاع الصناعات التحويلية أو القطاع السياحي والإنشاءات.
وعلى رغم تخصيص مبالغ مهمة لتعزيز الأعمال الصغيرة والمتوسطة وفق قرارات مؤتمرات القمة العربية المتتابعة، فإن ما تحقق لا يذكر ولا تزال العراقيل سيدة الموقف.
وبعد كل الجهود والاتفاقات، ماذا يمكن أن يتحقق خلال السنوات المقبلة لإنعاش آمال التكامل والتنمية في العالم العربي؟ هناك أهمية لاستقرار الأوضاع السياسية وتحديد آليات ملائمة وعصرية لأنظمة الحكم في مختلف البلدان العربية، كما لا بد أن يستتب الأمن لتعزيز ثقة المستثمرين ورجال الأعمال.
ويتعين انتهاج برامج للإصلاح الاقتصادي تؤدي إلى تدفّق الاستثمارات البينية وترفع من مستوى التجارة بين هذه البلدان.
أهم من كل ما سبق ذكره، لا بد من تبني برامج وأنظمة تعليمية متوافقة مع متطلبات الاقتصاد الحديث وثورة التكنولوجيا بما يرتقي بنوعية اليد العاملة في العالم العربي. ربما تكون هذه تحديات صعبة، لكن ليس هناك من بدائل واقعية فتطوير الحياة السياسية يمكن من تعزيز التنمية الاقتصادية، التي ستعمل لتحقيق الظروف الملائمة للأمن والاستقرار السياسي.
نقلا عن الحياة