عاصفة الإنجليز تهدد السوق السعودي

26/06/2016 0
عبدالله الجبلي

أنهى سوق الأسهم السعودي تداولات الأسبوع الماضي على ارتفاع طفيف جدا لم يتجاوز 8 نقاط بعد أن وصل تذبذبه الأسبوعي حوالي 70 نقطة، وهذه الاحصائية تدل على مدى الضعف الذي وصل له المؤشر العام وكأنما كان ينتظر حدثا مهما أو قرارا مؤثرا ويبدو لي أن هذه كانت حالة كثير من المستثمرين بالفعل.

وهذا الانتظار الآنف الذكر كان سببا رئيسيا في ضعف السيولة الأسبوعية والتي توقفت عند مستويات 15.4 مليار ريال مقارنة بنحو 18.6 مليار ريال للأسبوع الذي قبله، وهذه الحركة تبين أن العديد من المتداولين فضّل عدم فتح مراكز استثمارية جديدة خوفا من خبر سلبي قد يدفع الأسعار للنزول لكنه في نفس الوقت آثر عدم إغلاق مراكزه الاستثمارية القائمة خشية أن يكون ذلك الخبر المرتقب إيجابيا فيرتفع السوق وتفوته الأرباح.

وكان استفتاء البريطانيين حول بقائهم ضمن الاتحاد الأوروبي صباح الجمعة الماضي هو الخبر المرتقب فبقاؤهم سيدفع أسواق الأسهم والسلع والعملات ما عدا الدولار إلى الصعود بشكل قوي نتيجة تماسك واحدة من أكبر التكتلات الاقتصادية حول العالم وهي الاتحاد الأوروبي، أما خروجهم - وهو ما حدث بالفعل - فيعني أن ذلك التكتل بدأ بالتفكك بالفعل وقد يكون خروج بريطانيا هو مقدمة لخروج العديد من الدول الأعضاء في تلك المنظمة.

الخروج غير المتوقع وآثاره

إن ليلة 23 يونيو الماضي هي ليلة لن ينساها الانجليز بل والأوروبيون بشكل عام لأن ما حصل وقتئذ هو زلزال اقتصادي هزّ القارة العجوز قاطبة وضربت ارتداداته بقية دول العالم، فقرار البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي يعني أن الاتحاد فقد من سُدْس قوته الاقتصادية ولهذا الأمر تبعات سلبية كثيرة على الاقتصاد الأوروبي.

أضف إلى ذلك أن بريطانيا ستفقد حوالي 30 مليار جنيه استرليني كان يضخّها البنك الأوروبي داخل الاقتصاد البريطاني واتوقع أن يعمد الساسة الانجليز إلى رفع الضرائب على المواطنين لتعويض ذلك العجز.

كما أنه من المتوقع أن تعمد المفوضية الأوروبية إلى إلغاء الميزات الممنوحة للمواطنين البريطانيين من التنقل الحر داخل الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى فرض قيود جديدة على تنقل رجال الأعمال بل ورؤوس الأموال من بريطانيا إلى داخل دول الاتحاد وفرض قوانين جمركية جديدة على بريطانيا بعد إلغاء الميزات الجمركية التي كانت ممنوحة لها سابقا.

خسارة لندن عاصمة المال

وأكبر خسارة لبريطانيا في رأيي أن لندن ستخسر موقعها كعاصمة للمال والأعمال في العالم، فعاصمة الضباب تعتبر أهم ممر مالي في العالم بين الشرق والغرب وجُلّ العمليات المالية الداخلة أو الخارجة من الاتحاد الأوروبي تمرّ عبرها، كما أنها تسيطر على سوق صرف العملات الأجنبية والمقدّر بنحو 5 تريليونات دولار يوميا بالإضافة إلى أنه يمر عبرها كمية من الدولارات يوميا أكثر بمرتين مما يمرّ عبر الولايات المتحدة وتتداول فيها كمية من عملة اليورو يوميا بأكثر من ضعفين مما يمر عبر الاتحاد الأوروبي كاملا، لكن بعد الوضع الجديد تفقد العاصمة البريطانية هذه الميزة حيث إنه من المتوقع أن تضطر أكثر من 230 مؤسسة مالية ما بين بنك وشركة وساطة وشركة تأمين إلى نقل عملياتها من لندن إلى مدينة أخرى داخل الاتحاد الأوروبي وأكثر الترشيحات تصب في صالح العاصمة الفرنسية باريس أو مدينة الأعمال الألمانية فرانكفورت وهذا الأمر إذا حدث سيدفع بأكثر من 280 ألف موظف إلى الانتقال من لندن ولهذا الأمر تبعات سلبية على جوانب اقتصادية عديدة داخل العاصمة البريطانية.

خسارة العملة البريطانية

مع تأرجح نتائج الاستفتاء خلال يوم الجمعة الماضي كان سعر الجنيه الاسترليني أمام الدولار الأمريكي يتذبذب بشكل قوي جدا مع كل تغيّر للنتائج، لكن بعد ظهور النتيجة النهائية تراجع سعر الجنيه الاسترليني إلى نحو 1.32 دولار بعد أن وصل إلى مستوى 1.50 دولار وهذا يعني أن الجنيه فقد أكثر من 1،800 نقطة من قيمته في واحدة من أكبر الخسائر للعملة البريطانية في تاريخها ولتصل إلى أقل مستوى لها في 31 عاما حيث انها لم تشهد مثل هذه المستويات منذ عام 1985 للميلاد.

ومثل هذه التراجعات ستجعل كل ما هو مقيّم بالجنيه الاسترليني تنخفض قيمته بشكل ملحوظ ومنه العقارات اللندنية خاصة الفاخرة منها والتي شهدت ارتفاعات تتجاوز 200% منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008م.

ويبدو لي أن المستفيد الأكبر من هذا التراجع هو الدولار الأمريكي والفرنك السويسري والين الياباني بالإضافة إلى الذهب، فهذه الأوعية المالية الأربعة تعتبر هي الملاذات الآمنة في العالم والتي يلجأ لها المستثمرون بل وحتى الدول في حال التقلبات الاقتصادية الكبيرة.

إحياء طموح الاستقلال

يبدو أن بريطانيا فتحت أبوابا عليها وعلى الاتحاد الأوروبي لن تتمكن من غلقها قريبا، فبعد ظهور نتيجة التصويت خرجت بعض الأحزاب اليمينية للمطالبة بقيام استفتاء كما حصل في بريطانيا لأخذ رأي الشعوب حول البقاء ضمن الاتحاد من عدمه، وقد ظهر ذلك جليا في دول مثل فرنسا وهولندا والسويد، بل إن ماري لوبان زعيمة الحزب اليميني المتطرف في فرنسا دعت إلى قيام مثل ذلك الاستفتاء في جميع دول الاتحاد، ولو حدث مثل هذا الأمر فلا شك أن ذلك يعني نهاية عمر الاتحاد الأوروبي برمّته.

أما فيما يخص الشأن البريطاني فقد دعا بعض النواب الاسكتلنديين إلى تنظيم مثل ذلك الاستفتاء لأخذ رأي الشعب الاسكتلندي حول البقاء ضمن التاج الملكي البريطاني من عدمه وإلى مثل ذلك دعا بعض النواب في ويلز وإيرلندا الشمالية وحدوث مثل ذلك الأمر يعني تفكك مناطق نفوذ بريطانيا العظمى وهذا ما يخاف منه البلاط الملكي هناك، لذا فقد استبقت الملكة إليزابيث تلك الدعوات بإطلاقها تصريحا مهما يوم الجمعة الماضي مفاده أنها ستقوم بمنح اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية العديد من الصلاحيات الجديدة حتى تضمن بقاءهم ضمن حدود بريطانيا العظمى مثل حق التحكم في الضرائب والنفقات الاجتماعية.

ارتدادات الأزمة البريطانية على السوق السعودي

لا شك أن أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثّرت على جميع الأسواق المالية في العالم وسوق الأسهم السعودي لن يكون استثناء في هذه الحالة، فمثلما حدث لأسواق العالم من تراجعات ملفتة يوم الجمعة الماضي من المتوقع أن يفتتح السوق السعودي تداولات هذا الأسبوع على تراجعات أيضا لأن ما حدث سبب قلقا بين أوساط المستثمرين حول العالم ومنهم المستثمرون في أسواق النفط والتي أغلقت تداولات الأسبوع الماضي على تراجعات بنحو دولار واحد لخام برنت أي بنسبة 2.5% ونحو دولار ونصف لخام نايمكس أي بنسبة 3%، وتلك التراجعات من شأنها أن تلقي بظلال سلبية على تداولات سوق الأسهم السعودي واتوقع أنه بصدد التوجه لدعوم 6،300 نقطة ثم 6،100 نقطة على التوالي وذلك بدفع رئيس من القطاعات القيادية خاصة قطاع المصارف والخدمات المالية وقطاع الصناعات البتروكيماوية.

ومن حيث الرؤية الفنية لبقية القطاعات أجد أن السلبية ستطغى على تداولات جميع القطاعات ما عدا قطاعيّ التشييد والبناء والاسمنت حيث يبدو أنهما سيتلقيان قدرا أقل من التراجعات وهذا يظهر على بعض المؤشرات الفنية والتي توحي بشيء من الإيجابية لكن ذلك لا يمنع أن تتلاشى تلك المؤشرات إذا ما كان ضغط المؤشر العام للسوق فوق احتمال هذين القطاعيَن.







نقلا عن اليوم