تمخض اللقاء التشاوري السادس عشر لقادة دول مجلس التعاون الخليجي العربية عن إقرار «تشكيل هيئة للشؤون الاقتصادية والتنموية» لتسريع وتيرة العمل المشترك وتحقيق الأهداف التي نص عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون.
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني؛ قال في مؤتمر صحفي: «بهدف تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين حسب الجدول الزمني المقر لها، أقر أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس تشكيل هيئة عالية المستوى من الدول الأعضاء تسمى هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية، وذلك تعزيزا للترابط والتكامل والتنسيق بين دول المجلس في جميع المجالات الاقتصادية والتنموية».
تسعى المملكة جاهدة لتفعيل دور مجلس التعاون؛ وتطويره؛ والانتقال به إلى مراحل متقدمة من العمل المشترك والوحدة التكاملية؛ وهي لم تتوقف يوماً عن تقديم الاقتراحات العملية لتحقيق الأهداف التكاملية الإستراتيجية المعززة للأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية. أجزم أن طموح المملكة يفوق بكثير الاقتراحات المتداولة؛ إلا أن العمل الجماعي يتطلب عمقا دبلوماسيا قادرا على التعامل بكفاءة مع المشروعات الإستراتيجية المهمة.
خلال ما يقرب من أربعة عقود سعت دول الخليج إلى تحقيق التكامل الاقتصادي وإزالة التحديات والمعوقات التي حالت دون وصولها مرحلة الإندماج الكلي؛ غير أنها لم تتمكن من تحقيق هدفها، بالرغم من جهودها الحثيثة.
فملف الإتحاد الجمركي ما زال معلقا؛ إضافة إلى الاتحاد النقدي؛ والعمل؛ والاستثمار وغيرها من الملفات المهمة. نعترف بوجود تطور كبير في عمل المجلس خلال السنوات الماضية؛ إلا أنه لم يصل حد الكمال الذي يعينه على إنجاز الملفات العالقة وإغلاقها.
لذا تتكرر مبادرات قادة الدول في اجتماعات المجلس بهدف تسريع وتيرة الإنجاز؛ واستكمال الملفات وتحقيق الأهداف الرئيسة.
بالرغم من أهمية قرار إنشاء «هيئة الشؤون الاقتصادية والتنمية» لتعزيز الترابط والتكامل والتنسيق الخليجي؛ إلا أنه لن يسهم في معالجة المعوقات الاقتصادية والتنموية المعلقة؛ طالما أن التشريعات الأساسية لم تكتمل بعد عجزت اللجان المنبثقة عن المجلس المعنية بإنجاز المشروعات المقرة من قبل القادة عن إنهاء مهامها الرئيسة؛ فهي ماضية في عقد اجتماعات بحسب الجدول المتفق عليه دون أن تتمخض تلك الاجتماعات عن قرارات حاسمة.
لكل مرحلة أهدافها ومتطلباتها؛ وماكان مهما في السنوات الماضية أصبح تحقيقه اليوم أكثر أهمية وإلحاحا؛ فمتغيرات الظروف الاقتصادية والسياسية تفرض على دول مجلس التعاون الخليجي التعامل معها بذكاء وتكامل وإتحاد مثمر قادر على تحويل «مجلس التعاون» إلى «اتحاد» قوي قادر على مواجهة المخاطر التي باتت أكثر وضوحا اليوم.
تعزيز الترابط والتكامل والتنسيق بين دول الخليج في المجالات الاقتصادية والتنموية كان من أولويات المجلس حين إنشائه؛ أما اليوم وبعد مرور ما يقرب من أربعة عقود على انطلاقة أعماله؛ فيفترض أن يكون «الاتحاد الخليجي» هدفا للقادة والشعوب.
سيسهم الاتحاد الخليجي بتوحيد الكلمة في جهة ممثلة لجميع الدول الخليجية ما قد يحد من التناقضات التي تستغلها بعض الدول للضغط على دول الخليج، أو محاولة التفريق بينها لأهداف خاصة؛ وأضرب مثلا بالاتحاد الأوربي الذي إستطاع أن يجمع قوى الدول الأوربية المتفرقة في قوة واحدة تمثلت في الاتحاد الأوربي، ما شكل قطبا دوليا قادرا على إحداث التأثير الأكبر في المجتمع الدولي إضافة إلى ما يحققة من قوة ومنعة وحماية، وتنمية لدول الاتحاد.
وجود مفوضية الاتحاد الخليجي يعني مزيدا من القوة السياسية والأمنية والاقتصادية لدول المجلس؛ ما قد يسهم في حصول دول الخليج ككتلة واحدة على حقوقها كاملة غير منقوصة من المجتمع الدولي؛ فالغلبة تكون دائما للاتحادات لا الدول.
الاتحاد يعني قدرة الأعضاء على خلق القرار الخليجي الموحد بأسلوب ديموقراطي مُلزم للجميع، والاتفاق على وحدة المصير، ورسم الإستراتيجيات المُحققة لأهداف دول المنطقة بشكل جماعي بعد أن فقدت الكثير من جهودها لأسباب تنظيمية صرفة.
في الغالب، يكون التكامل الاقتصادي جسرا معبدا لتحقيق الاتحاد بين الدول؛ إلا أن الظروف الاستثنائية قد تقلب هرم التكامل، فتصبح مرحلة الاتحاد السياسي والأمني قاعدته، والتكامل الاقتصادي قمته؛ وهذا ما تحتاجه دول المجلس اليوم.
ما يحدث في العالم لا يمكن لأي دولة منفردة التعامل معه بسهولة، كما أن مجلس التعاون الخليجي وبآليته الحالية، ربما كان أقل قدرة على التعامل مع المتغيرات الدولية بكفاءة، وهو ما يفرض على دول الخليج آلية عمل مختلفة ومنظومة أكثر تكاملا وتنسيقا وقدرة على مواجهة الأخطار الخارجية. «الاتحاد الخليجي» هو الهدف الأسمى الذي يفترض أن يعمل من أجل تحقيقه قادة الدول الخليجية.
بناء الاتحاد على أسس تشريعية واضحة؛ ونوايا حسنة؛ سيوفر الأمن والاستقرار لدول المجلس؛ وسيسهم بشكل مباشر في معالجة جميع الملفات العالقة التي أستبعد أن تنجح اللجان والهيئات في معالجتها؛ وإن حرص القادة.