الموقع الرسمي للصندوق السيادي لحكومة النرويج للمتقاعدين "GPFG" يحتوي على تفاصيل عن كل شاردة وواردة من محتويات الصندوق ولعل أكثر ما يثير اعجاب الذين يطالبوننا الاقتداء بالصندوق النرويجي هو ما يسمونه شفافيته المتناهية حيث تظهر تقلبات قيمة الصندوق السوقية حيا على الشّاشة ساعة بساعة. لكن دعونا من الشفافية وتعالوا نرى ماذا يقول الصندوق عن عوائده.
يقول الموقع الرسمي للصندوق أن متوسط العوائد "وهنا مربط الفرس" منذ يناير عام 1998 الى الربع الأول من عام 2016 "أي متوسط 18 سنة" يبلغ 5.5 % وبعد خصم التكاليف الادارية والتضخم يبلغ العائد السنوي 3.6 %. الكلام الى هنا يبدو واضح وجميل ولا غبار عليه. لكن السؤال هو:
هل يفهم من هذا ان نسبة العوائد البالغة 3.6 % "حسب بيانات الصندوق" هي مبالغ مادية تدخل الصندوق كدخل صافي "disposable income" ويمكن عزلها في حساب منفصل وبالتالي يمكن تحويلها بالكامل سنة بسنة من غير عوائق الى داخل النرويج "أي تماما كما هي إيرادات البترول"؟
الواقع بعد دراستي العاجلة لعوائد صندوق النرويج تبين "بعكس ما يتخيله كتابنا" فهذه المبالغ مجرد أرقام "قيود" نظرية على الورق فلو احتاجت النرويج "ضع اسم أي دولة أخرى لديها صندوق مماثل" الى تحويل هذه العوائد للداخل لتمويل مصروفات ميزانية حكومة النرويج لن تجدها بكاملها متاحة للصرف .
وربما ولا جزء كبير منها وأحيانا حتى لا شيء منها عندما تحتاج اليها في وقت العوزة "الضّنكة" فتضطر النرويج للسحب من رأس المال إذا كان رأس المال يتمتع بالسيولة الكافية" تحويله بسرعة وسهولة الى كاش بدون خسارة" والا فإنها قد تخسر أيضا جزءا من رأس مال الصندوق.
مثال تطبيقي: يبلغ حجم الصندوق النرويجي ساعة كتابة عنوان هذا المقال كما يظهر أمامي على شاشة الكومبيوتر حوالي 854.69 مليار دولار "7.08 تريليونات كرون نرويجي" فاذا كان معدل العائد السنوي الصافي "بعد خصم جميع التكاليف" هو 3.6 % فمعنى هذا "حسب مفهوم كتابنا" ان متوسط المبلغ السنوي الذي سيدخل للصندوق النرويجي هو حوالي 30.79 مليار دولار "أي 115.38 مليار ريال سعودي".
واضح اذاً أنه إذا كان صندوق النرويج للمتقاعدين هو صندوقنا نحن فإنه بإمكاننا الحصول سنويا على 115.38 مليار ريال الى الأبد من غير ان ينقص رأس مال صندوقنا السيادي "كما يعتقد كتابنا خطأ" هللة واحدة.
السيناريو المثالي المذكور أعلاه هو الذي يتخيله كتابنا الأفاضل الذين يستشهدون بالصندوق النرويجي. لكن الحقيقة التي تغيب عن بالهم أن هذا السيناريو المثالي لا ينطبق بتاتا على الصندوق النرويجي ببساطة لأن نسبة 3.6 % التي يقول الصندوق النرويجي انه يحققها سنويا ليست عوائد بالمفهوم الذي يفهمه كتابنا الأفاضل المطالبون بإنشاء صندوق مماثل لصندوق النرويج وانما يدخل فيها التقلبات .
"كما اتضح لي" في القيمة السوقية للصندوق باعتبارها capital gain وهذه مغامرة خطيرة لأنه لا يمكن التأكد من تحقق هذا العائد الا عند البيع الفعلي للأصل فيدخل الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع كربح "وربما خسارة" لمالك الأصل.
خاتمة: لن اطيل عليكم حتى لا يمل القارئ فتضيع الرسالة التي يريد ان يوصلها المقال لكتابنا الأفاضل ومن حقهم نقاش الموضوع بهدوء نقاشا علميا لا تخمينات فالموضوع حيوي ومهم وجدير ان يأخذ حقه من النقاش علميا لتكون الصورة أمامنا واضحة كل الوضوح.
كذلك أريد القول: هذا المقال ليس هو – بأي حال – موجهاً للنرويجيين لأنه من حق النرويج ولا اعتراض لنا عليها اتّباع الطريقة التي تروق لها لكن الغرض الا ينخدع البعض منا بالهالة التي يحيط البنوك والبيوت المالية بها الصناديق السيادية للترويج لها فهم معذورون لأنها ببساطة مصدر أرزاقهم.
نقلا عن الرياض