حزب (إيه هيّنْ!).. ورؤية السعودية 2030!

05/05/2016 8
فهد عبدالله العجلان

ذاكرة المواطن السعودي، مليئة بالمبادرات والأطروحات التي حملت الكثير من الأحلام والرؤى المرتبطة بمستقبل حياته، وتحديات الرفاه الاقتصادي الذي ينشده، شعارات كثيرة حلَّقت بالسعوديين والسعوديات ابتداءً بمدونات خطط التنمية التي يكاد يجزم المواطن أن صياغتها تتحدث عن واقع آخر يختلف تماماً عن الذي يعايشه ويشاهده، مروراً ببيانات إحصائية متقادِمة كوجبة باردة بلا طعم، ورائحة غُلِّفت بها كثير من وعود المستقبل الذي لا يأتي!...

حزب إيه هين، الذي أشار إليه الزميل إدريس الدريس في مقاله في الزميلة صحيفة الوطن، يضم كما أشار عدداً من المنتفعين والراكدين الذين يُفسد مواقعهم حراك الماء وحيويته في نهر الوطن، لكنه بالمقابل لا يقتصر على هؤلاء؛ فهو من أجل وعي أعمق يساعد على استيعاب الظاهرة، يضم أيضاً عدداً كبيراً من المواطنين والمواطنات الذين يحلمون بوطن أجمل ومستقبل أفضل، لكنهم يجدون سراباً كلما هرولوا مع حلم أو أمل يطرح في بلادنا!

رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والتي طرحها مجلس الاقتصاد والتنمية برئاسة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لرسم خارطة طريق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، حظيت باهتمام ونقاش شعبي كبير لم تعتده المملكة في جميع المبادرات السابقة، شخصياً حين أبدأ بهذه المقدمة وكمتخصص في الاقتصاد، أقرأ في داخلها استمرار حياة الأمل وحرارة الحلم الذي لا يزال يحمله السعوديون لمستقبل بلادهم، وهي مقدمة هامة لنجاح مسار أي طرح أو رؤية تستهدف الوطن... فما الجديد هذه المرة؟

لن أتحدث عن تفاصيل الرؤية فقد قرأها الجميع، واطّلع عليها المتخصصون وأُشبعت نقاشاً وجدلاً، لكني سأتطرق إلى قراءة إشارات استوقفتني كثيراً كمهتم بالتنمية الاقتصادية في بلادي...

أولاً: كثير من المبادرات والأطروحات التي لَبسها الوطن أو أُلبسها، كانت تتنزل ببرشوت القرار دون أن يسمع أو يعرف بها أحدٌ مسبقاً، ولذلك كانت تسير بقدميها غريبة بين الناس، تُعرّف بنفسها عن طريق الحملات الإعلامية، فظلت مجهولة غريبة منزوعة التفاعل لتموت، غير أن رؤية المملكة الجديدة هذه المرة سبقها الكثير من الترقب والحديث والنقاش واللقاءات، وورش العمل والدراسات التي شملت جميع الوزارات والجهات الحكومية التي شارك فيها الكثير من التنفيذيين، وعلى جميع المستويات، وتسرَّب منها الكثير من المراجعات، فجاءت وجهاً مألوفاً يعرفه الناس سواء من اتفق أو اختلف معها.!

ثانياً: كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - في جلسة مجلس الوزراء التي أقرت الرؤية، جاءت واضحة وحاسمة حين قال: (أتمنى على المواطنين العمل على تحقيق الرؤية)، هذه العبارة جاءت لتوضيح أن المستقبل بات بيد الناس، والمواطن السعودي وأخته المواطنة هم من يُعوَّل عليهم الوطن المشاركة في إنجاز بصيرة الرؤية وتنفيذها، ولم يعد الأمر مرهوناً فقط بالتنفيذيين الذين يتولون زمام المسؤولية.

ثالثاً: حزب (إيه هيّن)، كان شريكاً فاعلاً هذه المرة رغم سلبيته، فقد ساهم في إبراز الرؤية ونقاشها بطريقة جعلت المواطن يشعر بشكل جدي تمحيصها هذه الرؤية وسبر غور تحدياتها لم يكن محجوباً أو ممنوعاً، ولن يكون في مستقبل مسيرتها، مما يُشكّل ضمانة لتوفير فرص المراجعة وقياس الأداء بشكل احترافي، وما يدعم ذلك شخصية الرمز الذي قدَّم الرؤية، وهو سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فقد بدا خلال طرحه محاوراً باحثاً عن الإقناع بالحجة والمعلومة، وليس المقرر النهائي للخيارات...

رابعاً: مشاركة الجهات الاستشارية الأجنبية، جاءت من خلال مشاركة فاعلة مع المؤسسات والجهات الحكومية ومن التنفيذيين بجميع المستويات، فلم تستورد الحلول من حواضنها الثقافية والحضارية بمعزل عن الواقع المحلي الذي ستُطبق فيه.

خامساً: التحديات التي تُواجه المملكة اليوم ومستقبلاً، أعطت الجميع القناعة أن المستقبل الأفضل يستوجب أن ندفع ثمن الحاضر والماضي بتحمُّلنا مسؤولية الواقع، ومعالجة أخطائه دون خجل أو مجاملة، وهذا ما نسمعه اليوم على جميع المستويات..

سادساً: كما ننتصر اليوم على الإرهاب في وطننا بتعاضد المواطن مع رجل الأمن، ونجاح الشراكة بينهما في حماية الوطن؛ لنكتشف من خلال مؤتمر صحفي أن بلادنا اُستهدفت بالعديد من العمليات الإرهابية التي تم إحباطها دون أن نشعر بأي اختلاف أو تغيير في حياتنا المدنية، فإننا اليوم وأكاد أجزُم قادرون على خلق نموذج تعاضد المواطن والمؤسسات الحكومية المدنية في مواجهة تحدياتنا التنموية... كل ما يجري اليوم، يدفعنا لليقين أكثر بأن الوطن أجمل وسيكون أكثرَ جمالاً في المستقبل - بإذن الله -.

أخيراً: فإ من يتأمل هذه الرؤية الجديدة، ويستمع إلى حوار سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع قناة العربية، يستوقفه إصرار الأمير على حضور الحوكمة في تحقيق الكفاءة الاقتصادية في الأداء، وفي نظري أنها المظلة والضمانة لتحقيق الرؤية وانتقالها من قنطرة الحلم إلى الواقع، بل إنها في نظري كلمة السر ومفتاح المستقبل الذي تستبصره الرؤية!

نقلا عن الجزيرة