مستقبل أسعار النفط في ظل فشل اجتماع الدوحة

26/04/2016 1
د. سليمان الخطاف

كما كان متوقعاً تعثرت مفاوضات المنتجين التي عقدت مؤخراً في الدوحة لبحث تجميد انتاج النفط عند مستويات شهر يناير الماضي مما أدى إلى طول فترة المفاوضات تجاوزت خمس ساعات.

ورفضت ايران التي تعتبر احد اكبر ست دول في تصدير النفط أي شكل من أشكال التعاون مع المنتجين في إصرار واضح على رفع انتاجها النفطي إلى مستوى أربعة ملايين برميل يوميا.

ونتيجة لذلك هبطت أسعار النفط في اليوم الذي اعقب الاجتماع وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت نحو 6% في التعاملات المبكرة ليوم الاثنين وكما هبطت العقود الآجلة للخام الأمريكي إلى 38 دولارا للبرميل ثم عادت وتحسنت بسبب اضراب عمال النفط بالكويت.

ولشرح الموقف الايراني بعدم حتى حضور الاجتماع، لابد من الرجوع الى الاحصائيات والارقام من المصادر الموثوقة. انتجت ايران في عام 2009م و2010م وقبل فرض العقوبات الدولية وبحسب مصادر اوبك 3.7 مليون برميل باليوم.

والجدير بالذكر ان حصة ايران في اوبك هي 4 ملايين برميل باليوم ولكنها لم تكن تستطيع انتاج اكثر من 3.7 مليون برميل باليوم.

وعندما تم فرض العقوبات انخفض انتاج طهران في شهر نوفمبر 2011م الى 3.5 مليون برميل باليوم وبعد ذلك انخفض انتاجها لعامي 2012م و2013م إلى 2.7 مليون برميل باليوم وهذا يعني وبالارقام ان انتاج ايران انخفض بسبب العقوبات بحوالي مليون برميل.

تريد ايران ان تستعيد كامل قدرتها التصديرية 2.2 مليون برميل باليوم بأسرع ما يمكن. تستهلك حالياً ايران حالياً اكثر بقليل من 2 مليون برميل باليوم وهذا يعني ان انتاج ايران سيتخطى حاجز 4 ملايين برميل باليوم قريباً.

يبدو ان ايران قد رفعت صادراتها النفطية حالياً بحوالي نصف مليون برميل وسوف ترفعها بنصف مليون اخر بعد شهرين بحسب تصريحات المسؤولين الايرانيين. وقبل العقوبات كانت ايران تصدر إلى اوروبا حوالي 800 الف برميل باليوم وقد ابدت بعض الشركات الاوروبية رغبتها بشراء النفط الايراني بعد الاتفاق على السعر.

النفط الايراني ثقيل بمحتواه وينافسه على الاسواق الاسيوية النفط العراقي وفي الاسواق الاوروبية ينافسه كل من النفط العراقي والاورال الروسي.

تعتبر المملكة والكويت والامارات وروسيا والعراق وايران اكبر دول العالم من حيث انتاج وتصدير النفط التقليدي وهم اهم من يتحكم بزيادة الانتاج وبالتالي الاسعار.

تصدر المملكة والامارات والكويت حوالي 11 مليون برميل باليوم وتصدر روسيا والعراق وايران حوالي 13 مليون برميل باليوم وبالتالي فان هذه الدول الست مسؤولة عن اكثر من 75% من المعروض النفطي بالاسواق العالمية. لذلك لا يمكن ان تتعافى اسعار النفط الا باتفاق هذه الدول الست سواء بتجميد الانتاج او تخفيضه.

وتنتج جميع هذه الدول ما تستطيع انتاجه باستثناء المملكة التي لديها حوالي 2.5 مليون برميل باليوم من الطاقة الفائضة. وسترفع ايران انتاجها بحوالي نصف مليون برميل باليوم. ولذلك لابد من الجلوس والاتفاق بخصوص الانتاج ومعايير التجميد او حتى الخفض.

الحقيقة ان موقف ايران من اجتماع الدوحة يستحق التأمل والتمعن لمحاولة فهم طريقة تفكيرها. لقد اتسم موقف ايران منذ البداية بعدم الوضوح والغموض لكنها قالت انها سترسل وفداً لحضور الاجتماع وبعد ذلك أعلنت أنها ستشارك في الاجتماع بمسؤول وليس بمستوى وزير النفط، ثم عادت وألغت مشاركتها ولم تحضر اجتماع الدوحة. لاشك ان ايران تعمل بصمت وبجهد كبير لاستعادة قدرتها على انتاج 4 ملايين برميل باليوم ومحاولة الوصول إلى الاسواق الاوروبية التي قاطعتها بسبب العقوبات.

وهنا يحق لنا ان نتساءل: لماذا تم عقد اجتماع الدوحة والنتيجة معروفة سلفاً؟. تم الاتفاق على عقد اجتماع الدوحة في شهر ابريل بغية تجميد انتاج النفط عند مستويات شهر يناير.

ولكن ومن المضحك ان معظم الدول رفعت انتاجها في شهر يناير إلى اقصى ما تستطيع حتى تضمن استمرارها في انتاج المزيد من النفط. ومن هنا يستغرب المرء لعقد مثل هذا الاجتماع الذي لم يتوافر الجدية والنوايا الصادقة عند الدول المشاركة منذ البداية.

ولكن هل يمكن أن تصل الدول المصدرة للنفط في أوبك وخارجها إلى اتفاق جاد يتعهدون فيه بخفض الانتاج وعدم إغراق الاسواق بالنفط؟ إلى الان لا يبدو هذا ممكناً ولقد فشلت اوبك داخل جدرانها في فيينا بعمل هذا مع اعضائها فهل سيستطيع اجتماع الدوحة اقناع اوبك وروسيا والمكسيك والنرويج وكازاخستان وعمان بخفض انتاجهم؟ خاصة في غياب الثقة والجدية.

لذلك من المستحيل ان تستطيع اوبك المنقسمة على نفسها معالجة انخفاض اسعار النفط خاصة وان بعض دولها ترفع الانتاج لايجاد حل سريع لمشكلة انخفاض العوائد النفطية وهي بذلك تدفع الاسعار إلى الاسفل. وسيكون حل انخفاض الاسعار قادماً بحكم الامر الواقع من دول خارج اوبك التي تتميز بارتفاع تكاليف الانتاج.

ولقد انخفض انتاج النفط الخام من خارج دول الاوبك وعلى الاخص من امريكا الشمالية نتيجة افلاس العديد من شركات الزيت الصخرى.

وبحسب بيانات ادارة معلومات الطاقة الامريكية الحديثة فان انتاج امريكا من الخام قد انخفض من 9.6 مليون برميل باليوم في منتصف العام الماضي إلى 9 ملايين برميل باليوم حالياً اي بحوالي 600 الف برميل باليوم. وسوف يصل معدل انتاج الخام الامريكي هذا العام إلى 8.6 مليون برميل باليوم وهو قريب من معدل سنة 2014م. وفي نفس السياق قالت وكالة الطاقة الدولية ان نسبة انخفاض انتاج النفط من دول خارج اوبك هذا العام ستكون الاعلى منذ 25 عاما.

وقد ارسلت هذه التصريحات رسائل للمستثمرين مفادها ان الاسوأ لاسعار النفط قد انتهى. وبما ان انتاج امريكا الشمالية ينشط ويزدهر عندما تكون الاسعار اعلى من 60 دولارا، فهذا يقترح ان تبقي اسعار النفط ما بين 40-50 دولارا للبرميل وحتى نهاية العام الحالى.

ويمكن القول ان اكبر قوتين تؤثران في اسعار النفط في الفترة القليلة القادمة هما انخفاض الانتاج في الحقول مرتفعة التكلفة مقابل ارتفاع الانتاج من بعض دول اوبك (ايران والعراق وربما ليبىا). وسيحدد التوازن بين هاتين القوتين مسار الاسعار. فان كان انخفاض الانتاج من خارج اوبك اكبر من زيادة الانتاج من اوبك ستتجه الاسعار إلى الاعلى والعكس صحيح.

يحتار المرء في تفسير ما يحصل لاسعار النفط، ففي بداية عام 2014م كانت الاسعار في القمة وهي الان في العناية المركزة ما ان تتحسن حالتها قليلاً حتي تعاود الانتكاس من جديد.

ولقد توقع كثير من المحللين انخفاض الاسعار بعد فشل اجتماع الدوحة الا ان الاسعار ما زالت متماسكة وقوية رغم انتهاء الاضراب في الكويت، ويقال ان ثقة المستثمرين في اسواق النفط قد ارتفعت بعد فشل اتفاق الدوحة. وهذا ما يقوي الاعتقاد ان ما يحصل لاسعار النفط في كثير من الاحيان يصعب تفسيره.



نقلا عن اليوم