نعيش في زمن العولمة وثورة الاتصالات الذي أصبحت فيه كل دولة أو مجتمع يتأثر ويؤثر في مجريات الأمور حول العالم بسرعة انتشار المعلومة، كما أدى تسارع الخطوات في انتشار تقنيات جديدة ووسائل اتصالات مبتكرة إلى إنتاج كم هائل من المعلومات المتبادلة والتي باتت تؤطر لتحولات في كافة مناحي الحياة.
أصبح التنبؤ بمجريات الأحداث وتداعياتها والإعداد لمجابهتها ضرورياً أكثر من أي وقت مضى. لم يعد كافياً أن تُرسم الاستراتيجيات والخطط ويقوم المدراء التنفيذيون بأداء مهامهم على النحو "الصحيح"، بل بات لزاماً عليهم اعتماد نظام للإنذار المبكر يشمل، إلى جانب أمور أخرى، تخصيص مساحة منتظمة من وقتهم للعصف الذهني الذي تسانده تحليلات عميقة للبيانات وقراءة خبيرة للمعلومات للتمكين من استشعار ما هو قادم وعمل ما هو "صحيح"، بحيث يتم تعديل مسارات الخطط أولاً بأول، ومن ثم ترجمة ما هو "صحيح" إلى برامج عمل محددة، وأخيراً إحداث التغييرات اللازمة للإنجاز.
لقد كانت الشركات العملاقة مثل أبل وسامسونغ وبيبسي كولا وشل وغيرها سباقة في اتباع هذا النهج وقامت بتطوير الآليات اللازمة ونشر الثقافة الداخلية لاعتماد هذه الأساليب المبتكرة.
على مستوى الدول، كانت سنغافورة سباقة في ذلك، إذ خلص مؤسس سنغافورة الحديثة لي كوان يو مبكراً إلى أن دولته الصغيرة تحتاج أكثر من غيرها لإمكانيات رصد ما يحدث في إقليمها وحول العالم، نظراً لما قد يترتب على ذلك من تأثيرات على برنامج تحولها الطموح من دولة في العالم الثالث إلى دولة متقدمة.
وفي سبيل تحقيق ذلك قام بتأسيس مراكز متقدمة للدراسات والبحوث تضم مراكز دراسات كل لأقاليم شمال آسيا، جنوب آسيا، جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، وجميعها تغطي كافة الجوانب سواءً السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، كما أنشأ العديد من مراكز البحوث العلمية المتخصصة.
هذا وقد تمكنت سنغافورة جراء ذلك من تنفيذ استراتيجيات ناجعة لبرامج تعاونها مع الدول المختلفة والتجمعات الإقليمية والدولية على النحو الذي يعزز مصالحها ويساعدها في ترتيب أولوياتها الوطنية. أنجزت سنغافورة برنامج تحولها في فترة قياسية لا تتعدى ثلاثة عقود.
شهدت أساليب تحليل البيانات الضجمة واستنباط المعلومات تطوراً كبيراً لتصبح علماً قائماً بذاته وتخصصاً معتمداً في العديد من الجامعات المرموقة، كما نتج عن ذلك فتح سوق للتقنية والخدمات في هذا المجال يقدر حجمه بما يقارب الخمسين بليون دولار أمريكي وبمعدل نمو سنوي متراكم يزيد عن عشرين بالمائة وفقاً لمجلة فوربس.
لعل هذه المعلومات تحفز أبنائنا الشباب على اختيار هذا التخصص النادرفي دراساتهم الجامعية والعليا بالنظر لندرة المتخصصين فيه ولما يتيحه لهم من فرص عمل مجزية ومشاركة فعالة في برنامج التحول الوطني.
خاص الفابيتا _ أرقام
فكرة متقدمة جداً شكرا لك