أحداث متسارعة شهدتها المنطقة على المستوى السياسي والاقتصادي يمثل بعضها ملامح التحول والتغيير الكبير الذي ستكون عليه موازين القوى اقليميا بل وإسلامياً من حيث التوجهات وطريقة بناء العلاقات والأدوار الريادية للدول المهمة والكبرى التي تملك رصيدا وثقلا سياسيا كبيرا بنته على مدى عقود، ولعل ما جاء ببيان قمة المؤتمر الاسلامي من إدانة لجرائم إيران العضو بالمنظمة الاسلامية يعد تطورا ملفتا ومهما يضع قيمة ايران
وسياساتها بميزان دقيق يجيب كل مشكك، أو غير متيقن بأن الدول الاسلامية و أغلب الدول العربية باتت تنظر إلى إيران بعين العدوة وغير الموثوق بالعلاقات معها، وبالمقابل فإن البيان الذي تضامن وأكد على ادانة إيران بعدوانها على البعثة الدبلوماسية السعودية وباقي أفعالها المشينة والكارثية بدول المنطقة العربية يؤكد أن العالم الإسلامي الرحب يرى في العلاقات مع المملكة ودول الخليج الاستراتيجية الصحيحة والآمنة، كما هو حال نظرة المملكة للعلاقة معهم
وبعيداً عن الغوص بالسياسة رغم أنها جزء لا يتجزأ عن الاقتصاد إلا أن تحرك المملكة خلال الفترة القصيرة الماضية بإقامة شراكات اقتصادية مهمة مع كبرى دول المنطقة؛ كمصر وتركيا يؤكد أن تغييرا كبيرا سيكون عليه واقع المنطقة من حيث طرق بناء العلاقات والمصالح واستراتيجيات قيادة المنطقة فنوعية الاتفاقيات التي وقعتت مع مصر أهميتها ليس فقط بحجم الاستثمارات التي ستضخ وبحدود 25 مليار دولار؛ فهي أرقام اولية ستتزايد مع الوقت وانعكاساتها ستتوسع إلا أن الأهم هو انها مباشرة بشرايين الاقتصادين خصوصا في مصر ذات الامكانيات الضخمة والتي تحتاج الى رؤوس اموال وشركات كبرى تستثمر مالديها من طاقات مما سيقوي من الارتباط بمختلف اوجه العلاقة بين الدولتين وذات الأمر مع تركيا من خلال المجلس التنسيقي الذي تم التوقيع على تأسيسه ويشمل الشراكة والتعاون بمختلف المجالات والقطاعات يضاف لذلك الشراكات التي وقعت مع دول كبرى سابقا كاميركا وفرنسا والصين وروسيا وغيرهم.
فالعصر الحالي لا تنفع فيه العلاقات على مبدأ التبادل التجاري، بل ما يمكن ان يستمر هو الشراكات وخصوصا بالمحيط الاقليمي للمملكة التي يمثل حجم ناتجها المحلي ما يقارب 25% من اجمالي الناتج العربي البالغ حوالي 2.7تريليون دولار، وأيضا يمثل حوالي 1% من اجمالي الناتج العالمي لكن قياسا بعدد سكان المملكة يعد رقما مهما، وبالتأكيد أن كل هذه الارقام بقدر ما تمثل مصدر قوة الا انها غير كافية للنهوض اقتصاديا بالحجم الذي يعزز من القيادة الاقليمية للمملكة عربيا واسلاميا مستقبلا فعالمنا الاسلامي والعربي يكبر وإمكانياته ضخمة، ويعول كثيرا على دور السعودية بقيادته للاستقرار والسلم والوصول للتنمية الاقتصادية المناسبة والرفاه الاجتماعي بالشراكة مع كل القوى التي تتشارك بنفس الأهداف مع المملكة بالمنطقة فالحروب والتصدي للاعداء والارهاب لارساء السلام والأمن غرضها تحقيق اهداف سياسية مشروعة والمكاسب كلها ستصب بالاقتصاد.
ولذلك، فإن ما نتج عن زيارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر وتركيا من توقيع اتفاقيات لشراكات استراتيجية يعد امرا بالغ الاهمية لقراءة تحولات مستقبل المنطقة ونهج سياساتها القادمة التي تبني المصالح بعمق اكبر داخل اقتصادات تلك الدول وليس عبر ما اعتاد العالم عليه بمنطقتنا من كافة الدول كأسلوب للدعم والعلاقات كالمنح المالية او مشاريع تنموية كان لها أثر جيد يخدم استراتيجيات السياسة بتلك المرحلة لكنه بالتاكيد لن يأتي بثمار وفوائد واسعة؛ فالمصلحة تقتضي ان يكون النفع متعددا لطرفين وليس لطرف واحد، خصوصا من يستقبل تلك المساعدات فلا يعرف مواطني تلك الدول الذين يرون بعض المشاريع التي أنشئت بدولهم ان مصدر تمويلها كليا او جزئيا هو من المملكة ودول الخليج لانها تتم عبر وسيط وهي حكوماتهم بينما التغير الحالي سيلمسه المواطن بتلك الدول مباشرة من خلال مصانع وشركات ومشاريع استراتيجية كبرى كجسر الملك سلمان بين مصر والسعودية، وكذلك شركات انتاج الطاقة وغيرها من جامعات وطرق والأمر ذاته متوقع ان يكون مع كل الدول التي سترتبط بشراكات عميقة مع المملكة.
وحتى تكتمل عناصر القوة خارجيا التي بنيت على رصيد كبير لسياسات المملكة عبر عقود مضت وظهرت بالتحالفات الاخيرة عربيا واسلاميا على الصعيد السياسي والعسكري فإن نجاح برنامج التحول الوطني ليس فقط بهيكلة المالية العامة وتقليص دور تذبذب ايرادات النفط بموازنات الدولة او جذب الاستثمارات والخصخصة والانتقال لدور حكومي منظم ومشرف اكثر من التنفيذ والادارة بالاقتصاد، بل إلى نجاح ما رشح عن البرنامج من اتجاه أوسع لتعزيز دور المواطن بالاقتصاد وفتح الفرص له خصوصا بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة والابتكار وتطوير التعليم والتدريب الذ ي سيكون أحد أهم مصادر القوة للمملكة واقتصادها ليكون مكملا لدورها القيادي الاقليمي وتاثيره العالمي في زمن تتسابق فيه الدول لتحقيق مكاسب على حساب غيرها تتصدر مشهده التكتلات والشراكات والعولمة وتعظيم ثروات الدول عبر الانفتاح الاقتصادي واستثمار كل الطاقات والامكانيات.
السعودية أثبتت جدارتها بالقيادة عربياً واسلامياً على مر عقود من خلال بناء السمعة الايجابية والدور الفاعل بالسلم والاستقرار الدولي وأصبح مشهودا خصوصا بما مرت به المنطقة من إحداث عاصفة بالسنوات الاخيرة والالتفاف الذي يراه الجميع حولها من قبل اخواتها من دول المنطقة خصوصا والعالم عموما، ويمثل الاتجاه لبناء علاقات وشراكات اقتصادية واسعة وعميقة انتقالا مهما لتعظيم الفوائد وتقوية الدور الرائد لها لملئ الفراغ السياسي والاقتصادي الذي جاء نتيجة تراجع دور قوى عالمية كبرى بالمنطقة ادى لزعزعة استقرار دول عديدة تقوم السعودية بتحمل مسؤولياتها مع شقيقاتها من دول الخليج والعالم الاسلامي باعادة صياغة الترميم والبناء على كافة الأصعدة لتستقر المنطقة من جديد وتنعم شعوبها بالأمن والمستقبل المشرق.
نقلا عن الجزيرة