تثار بين فترة وأخرى في الكويت، احتجاجات من قبل فئات متعددة حول مشاريع الحكومة لتخصيص عدد من الأنشطة الاقتصادية.
وعلى رغم تقاعس الحكومة عن تطبيق القانون رقم 37 الصادر عام 2010 والذي يحدد آليات التخصيص، تحاول تلك الأطراف أن تظهر الأمور وكأن البلاد في طريقها للبيع.
وبعد أن أثار وزير المال ووزير النفط بالوكالة أنس الصالح أخيراً مسألة تخصيص عدد من أنشطة المصب النفطية، قام عدد من النقابيين في اتحادات عمالية بالتجمع والدفاع عن ملكية الدولة في المنشآت النفطية وضرورة الدفاع عن الحقوق المكتسبة للعمال.
وكما هو معلوم، استحوذت الدولة على ملكية القطاع النفطي بكل أنشطته منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، وبعد الصدمة النفطية الأولى.
قبل ذلك كان الاستخراج والإنتاج للنفط الخام معهوداً، بموجب امتياز تم إبرامه في ثلاثينات القرن الماضي، لشركة نفط الكويت المملوكة من شركتي «نفط الخليج»، و «بي بي» البريطانية. كما أن أنشطة التكرير ونقل النفط المصدر وتوزيع المشتقات مملوكة وتدار من قبل شركات تنتمي للقطاع المشترك.
وكذلك بالنسبة للصناعات البتروكيماوية وغيرها من أنشطة تعتمد على النفط ضمن موادها الأولية.
في منتصف السبعينات من القرن الماضي، وبعدما أصبحت الحكومة تمتلك سيولة مهمة، بفضل الفوائض المالية المتأتية من إيرادات النفط، قررت أن تستحوذ على كل أنشطة النفط، سواء ما يتعلق بالنفط الخام، أو أنشطة التكرير وأي أنشطة أخرى ذات صلة.
منذ ذلك الوقت مرّ القطاع النفطي بتطورات إدارية متنوعة أهمها قيام «مؤسسة البترول الكويتية» والتي أصبحت الهيئة المشرفة والمديرة لكل شركات النفط العاملة في الكويت وشركات البتروكيماويات وناقلات النفط، وشركة البترول الوطنية المتخصصة بمصافي التكرير، وكذلك الشركات النفطية الكويتية العاملة في الخارج، خضع القطاع النفطي للاعتبارات السياسية الحاكمة للواقع السياسي والاجتماعي في البلاد.
لذلك فإن تجربة الإدارة الوطنية، وهي الإدارة الحكومية، لم تكن مثالية وساهمت في تراجع الإنتاجية وارتفاع التكاليف وتدني الكفاءة وغياب التطوير التقني.
وربما يجد المختصون في الشؤون النفطية فرقاً مهماً بين كفاءة إدارة القطاع النفطي في الكويت وإدارته في السعودية. وهناك أيضاً توظيف للاعتبارات السياسية في التعامل بما يتعلق بإدارة القطاع في الكويت بما يؤدي إلى تغييب عناصر الكفاءة والمهنية في أحيان كثيرة.
خلال السنوات الماضية تم رفع مستويات الرواتب والأجور للعاملين في الشركات النفطية بما أحدث تبايناً شاسعاً بين ما يتقاضاه هؤلاء، وبقية العاملين في مؤسسات الدولة والقطاع العام الأخرى، ما ولّد حسرة واحتجاجاً من بقية العاملين في الدولة من الكويتيين ودفع الحكومة لطرح بدائل لتقليص الفجوة.
وما أثار الاستغراب لدى عدد من المراقبين أن القطاع النفطي ابتدع مكافأة للعاملين باسم مكافأة النجاح والتي تعتمد على مستوى الأرباح النهائية التي تجنيها مؤسسة البترول في نهاية كل عام مالي.
ومعلوم أن تلك الأرباح تتحقق بفعل ارتفاع أسعار النفط المحكومة بعوامل العرض والطلب في أسواق النفط العالمية، وليس نتاج تحسن كفاءة الأداء وخفض تكاليف الإنتاج المحلية.
الأنشطة الأخرى التي تمتلكها الدولة وتديرها مثل مرافق الكهرباء والمياه والاتصالات والنقل البري والجوي والموانئ والمطار والرعاية الصحية والتعليمية، لا تتسم بالكفاءة ولا تظهر تحسناً في إنتاجية العاملين في مؤسساتها.
وتظل التكاليف مرتفعة بفعل تضخم الأجهزة بالموظفين وارتفاع مستوى البطالة المقنعة الناتجة من التوظيف غير الرشيد.
ويمكن أن يلمس المرء ارتفاع التكاليف في مرافق الكهرباء والمياه والخطوط الجوية الكويتية وهيئة الطيران المدني والموانئ.
ويثير المعترضون على تخصيص هذه الأنشطة مسألة استمرار اليد العاملة الوطنية بعد تحويل الملكية وإمكان قيام القطاع الخاص بتوظيف وافدين برواتب أدنى. القانون رقم 37 لعام 2010 يؤكد أهمية حماية حقوق اليد العاملة المحلية ومصالحها بعد التخصيص.
وكي تكون عملية التخصيص مفيدة اقتصادياً ومجدية، فإن أهم ما يجب أن تتسم به هو الاعتماد عليها وتوافر المنافسة، وتوفير منتجات وخدمات بأسعار مناسبة للمستهلكين.
لا شك أن التخصيص يجب أن يوفر على الخزينة العامة مخصصات الإنفاق الجاري والرأسمالي لتلك الأنشطة والاعتماد على موارد القطاع الخاص وقدراته على التموّل من الجهاز المصرفي.
يضاف إلى ذلك أن التخصيص يعني تحميل القطاع الخاص مسؤولية أكبر في توظيف المواطنين، إضافة إلى توفير إيرادات للخزينة من الضرائب على الأرباح وغيرها من ضرائب قد ترى الدولة أهمية لفرضها بعد تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد يعتمد على آليات السوق الحرة.
يبدي بعضهم ملاحظات عن أداء القطاع الخاص الكويتي ويزعم بأنه قطاع خاص اتكالي ويعتمد على ما يجنيه من التعامل مع الدولة، سواء من خلال تنفيذ المشاريع والمقاولات، أو بيع السلع والبضائع وتقديم الخدمات الأخرى.
لكن هذا الواقع ما هو إلا نتاج لسياسات مالية واقتصادية تكرست على مدى عقود سبعة طويلة، منذ بداية عصر النفط في البلاد عام 1946.
لذلك فإن استمرار النهج الريعي ولد الكثير من التشوهات في أداء مختلف الأطراف الفاعلة في الاقتصاد الكويتي، قطاع خاص ويد عاملة وطنية وغيرها. لكن ذلك لا يعني التوقف عن طرح برامج الإصلاح والتصحيح.
ويضاف إلى ما سبق ذكره أن إمكانات الانفتاح على الاستثمار الأجنبي ستوفر المشاركة بين القطاع الخاص الوطني ومؤسسات أجنبية متمكنة إدارياً ومالياً وتقنياً للارتقاء بأداء الأنشطة التي سيتم تخصيصها بما يعود بالمنفعة الاقتصادية والاجتماعية.
والتخصيص أيضاً، سيمكن الدولة من وقف برامج الدعم للكثير من الأنشطة ويخفض الإنفاق العام ويعزز فرص توظيف أموال القطاع الخاص، سواء من خلال أدوات حقوق الملكية أو أدوات التمويل المصرفي.
أما ما يطرحه بعضهم من أن الحكومة كان يجب أن تفكر ببرامج الإصلاح عندما كانت تمتلك أوضاعاً مالية مريحة وعندما كانت أسعار النفط تحقق فوائض مالية جيدة، فهو طرح مقبول ومشروع، لكن ذلك لا يجب أن يعطل متطلبات الإصلاح في الوقت الراهن وفي المستقبل، مهما كانت صعوبة الأوضاع.
إن التحول إلى اقتصاد يقوده القطاع الخاص أصبح أمراً مستحقاً ولا يجب أن يجهض بفعل الاعتبارات السياسية وثقافة الريع والاتكالية.
نقلا عن الاقتصاد الحياة