مدن تغرق مجددا والكابوس باق

12/04/2016 3
م. برجس حمود البرجس

يميز غرق المدن بأن الجهة الرقابية هي الأمطار والسيول على عكس بقية المشاريع وعناصر البنى التحتية، والناقل لتعثر تصريف السيول برامج التواصل الاجتماعي اليوتيوب والواتس آب وتويتر وفيسبوك، وانضمت إليهم مواقع الصحف الإلكترونية والورقية.

بينما تنشغل الجهات الحكومية بتوجيه أصابع الاتهام على بعضها وعلى الشركات المنفذة، تبقى تلك الجهات تعمل كل شيء وتجرب كل شيء إلا الصواب؛ ولو كان هناك مدخل على اتهام المواطن، لكان هو الخيار الأول والأفضل.

مدن تغرق مجددا ومدن تغرق لأول مرة منذ عشرات السنين ومدن تنتظر، وما بين هذا وذاك، مليارات صرفت على البنى التحتية وأثمرت في مناطق كثيرة ولكن كان وجعها أكثر في مناطق تضررت. 

عندما نتحدث عن مشكلة حوادث المرور (مثلا)، تتوقف القطاعات الحكومية عن العمل وتوجه أصابع الاتهام للمواطن وللتجرد من تحمل المسؤولية، ولكن عندما نتحدث عن غرق المدن، فالمواطن ليس جزءا من المعادلة، فتجد كثيرا من القطاعات الحكومية شبه عاجزة عن التحرك وتكتفي ببعض الأعمال العشوائية. 

لا تعمل معظم الجهات بجدية على معالجة مشكلة غرق المدن، وهذا ليس مستغربا، فعوامل النجاح لم توفر من الأساس، لدينا تقصير في التخطيط وتقصير في النزاهة وتعيين الكفاءات، وتقصير في الأنظمة وإدارة المشروعات وتطوير الكوادر البشرية وأنظمة عقود المشروعات.

تقرير للهيئة العامة للإحصاء في عام 1431 يذكر بأن أكثر من نصف المنازل في المملكة لا تخدمها شبكات الصرف الصحي العامة، فكيف تصلهم شبكة تصريف الأمطار وشبكة تصريف السيول، هكذا يحدث الغرق عندما تكون أحياء دون شبكات تصريف.

في قواعد الهندسة الأولية، إذا كان أحد الأحياء لديه شبكة تصريف سيول جيدة، ولكن هذا الحي يقع بجوار حي آخر أو عدة أحياء ليس لديها تصريف للسيول؛ فبالتأكيد شبكة ذلك الحي لن تستطيع تصريف سيول كل هذه الأحياء، فيحدث الغرق.

الرسمة الهندسية واضحة: (أولا) مجاري الشبكة الرئيسية يجب أن تصب بميلان من أواسط المدن إلى خارجها بشرط أن تصب أخيرا في مناطق أدنى من ارتفاع المدينة، وهذا كله تحت شوارع المدينة. 

(ثانيا) مجاري الشبكة الرئيسية والفرعية يجب أن تكون بمقاسات هندسية ملائمة وتغطي جميع الشوارع والأحياء، لأن المشكلة تبدأ عندما "يصب" أحد الأحياء سيوله على حي مجاور لديه شبكة تصريف فتصبح مجاري الشبكة عنق زجاجة لا تستوعب صبيب أكثر من حي في الوقت نفسه. 

(ثالثا) عملية مضخات الشفط والنقل لا تعمل دائما ولن تعمل.

المخرج من هذا المأزق أمر صعب ويتطلب العمل السليم أولا والذي لا أراه أن يكون ضمن الأعمال الروتينية والمعتادة ضمن الأعمال الحكومية، ولا حتى تحت إدارتها.

فعلى الجهات المختصة التعامل مع هذا الملف بجدية لأنه لن ينجلي بمفرده ولا الزمن كفيل بإنجلائه. العمل السليم يُبنى على أسس سليمة، والمشاريع بحاجة إلى نزاهة أعمال، وهذه الأعمال بحاجة إلى كفاءات لإدارتها، ومن ثم تأتي الحلول.

نقلا عن الوطن