الفيدرالي الأميركي.. والخيار الوحيد

04/04/2016 0
محمد عبد الله العريان

جاءت ردود الأسواق سريعا كما هو متوقع على التصريحات التي أدلت بها رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جانيت يلين، مؤخرا، حيث عدتها الأسواق إشارات توضح طريقة تفكير أهم بنك مركزي في العالم.

فلم تمرّ دقائق من إبداء ملاحظاتها حتى ارتفعت الأصول الخطرة، وهبطت عائدات السندات الحكومية والدولار، وتراجع مؤشر التقلبات.

يتطلب احتمال وضع كهذا مؤشرين سياسيين؛ أحدهما قصير المدى والآخر طويل المدى، هذا مع افتراض أن البيئة الاقتصادية العالمية ستستمر مستقرة نسبيا.

استغلت «يلين» كلمتها أثناء حفل الغداء الذي أقامه النادي الاقتصادي بنيويورك مؤخرا، كي ترسم صورة حذرة ومدروسة للاقتصاد الأميركي، وللتوازن الدقيق الواجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي الحفاظ عليه.

أقرت رئيسة بنك الاحتياطي، بأن الصورة الشاملة المختلطة للولايات المتحدة لعام 2016، أظهرت مؤشرات مشجعة حتى الآن، ومن ضمن ذلك الاستمرار في دعم سوق العمل.

بيد أنها أكدت أيضا المخاطر «الخارجية»، منها حالة التباطؤ في الاقتصادات العالمية، ومستوى الدولار ورد فعل الأسواق لسياسة العملة الصينية.

اعترفت يلين أيضا بالتأثير السلبي لبعض الرياح الهيكلية المعاكسة على النمو، وما نتج منه من شك غير معتاد بشأن المستقبل المتوقع للتضخم.

صاحَب هذا التقييم الحذر للاقتصاد تقييم آخر مدروس بعناية لما يمكن أن يفعله بنك الاحتياطي الفيدرالي، لتقديم مزيد من الدعم للنمو في إطار ولايته المزدوجة، التي تهدف إلى زيادة معدلات التوظيف والتحكم في نسب التضخم.

أضافت مديرة البنك أن مخزون سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي لم تنفذ، مؤكدة الحاجة إلى التدرج الدقيق في صياغة السياسات وبشكل حذر، في عمل يشبه عزف الموسيقى إلى جوار أسماع الأسواق التي اعتادت الاعتماد على البنك المركزي لكبح التقلبات المالية وزيادة أسعار الأصول.

لكن مديرة البنك حذرت، أيضا، من المدى الذي يستطيع البنك الاستمرار في التأثير فيه، وامتنعت مديرة البنك عن الدخول في جدل حول أسعار الفائدة السلبية، ذلك الجدل الذي أثاره القرار الذي اتخذه نظراؤها في أوروبا واليابان لخفض سعر الفائدة لما دون الصفر.

ولنحكم من خلال ردود الفعل السريعة، تقبلت الأسواق مجمل رسالتها، حيث عدّوها مؤشرا على استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقديم الدعم.

ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الأسهم وسندات الشركات في ظل السباق للأصول الخطرة. هبطت عائدات سندات الشركات الحكومية بسبب تقييم رجال الأعمال والتجار وتدني سقف توقعاتهم بشأن سياسة تحديد سعر الفائدة في المستقبل.

هبط سعر الدولار مع تراجع «مؤشر التقلبات»، الذي يعد المؤشر الأهم لحالة الخوف في الأسواق التجارية.

يتطلب تحمل تلك اللحظة على المدى القريب مساندة زملاء «يلين» في البنك الاحتياطي في الأيام القليلة المقبلة، لكن هذا الأمر يظل غير مؤكد.

تسببت المؤشرات الاقتصادية المختلطة، والقلق من الأضرار الجانبية التي ستصيب الأسواق والاقتصاد بصفة عامة، بسبب الاعتماد الزائد وبشكل متواصل على السياسات الاستثنائية لبنك الاحتياطي الفيدرالي، في قيام بعض مسؤولي البنك المركزي الأميركي بإرسال رسالة حذرة مؤخرا، لدرجة أن بعضهم أوحى بإمكانية ارتفاع سعر الفائدة خلال أبريل (نيسان) الحالي.

على المدى البعيد، يأخذ التحدي بعدا آخر، فحتى لو أن البنك الفيدرالي يأمل في الاستمرار في تقديم دعمه الاستثنائي للأسواق وسيلة لتحفيز الاقتصاد، فإن تأثيرا مثل هذا المنحى غير مؤكد. لا يتعلق الأمر هنا بالفوائد المتدنية التي ستعود من وراء سياسة استمرت تطبق لفترة أطول مما يتصور أي إنسان.

فهناك أيضا القلق المتزايد من النتائج غير المقصودة لما يسميه البنك الفيدرالي «الخيار الوحيد المتاح»، بما تعنيه العبارة من عدم استقرار في الأسواق المالية في المستقبل.

في النهاية، ومن أجل رفاهية الاقتصاد الأميركي والعالمي، أهم ما يمكن أن نخرج به من حديث «يلين» المهم، يخرج عن نطاق الموضوعات المحددة التي تناولتها.

فملاحظاتها وسياق كلامها يمكن أن يوحي، ولأسباب خارجة عن إرادتها، بأن البنك الفيدرالي أصبح رهينة لثلاث قوى من الممكن أن تهز مصداقيته واستقلاليته:

- الساسة الذين يفشلون دوما في الاستفادة من الوقت الذي يمنحه لهم البنك الفيدرالي، بامتناعهم عن الاستجابة السياسية الكاملة الملحة للتحديات الهيكلية الملتوية في الاقتصاد الأميركي، ما يحد من قدرات الولايات المتحدة على لعب دور قيادي في تنسيق السياسات العالمية.

- الاقتصاد العالمي الذي فقد قدرته على النمو، وأصبح متباطئا في ظل التأثيرات الهيكلية المعاكسة، وفي ظل تعقد القضايا السياسية في أوروبا، وفي غيرها من مناطق العالم الناشئ.

- الأسواق المالية التي تشعر بالقوة وبقدرتها على الضغط على البنك الفيدرالي، بصرف النظر عن أساسيات الاقتصاد والشركات.

نقلا عن الشرق الأوسط