في لقاءات إعلامية قمت بها خلال الأيام الماضية، تمحورت حول قيام مؤسسات التصنيف الائتماني بخفض التصنيفات الائتمانية للديون السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي، أبديت ملاحظاتي وتحفظاتي على هذه التصنيفات وبينت الأخطاء التي تقع فيها هذه الوكالات عند تقويم المقدرة الائتمانية للحكومات والشركات الخليجية.
إذا أردنا أن نورد باختصار، هذه الإجراءات، نشير إلى أن وكالات التصنيف الغربية تصنف البلدان باستخدام خمسة عوامل أساسية هي أولاً الفعالية المؤسسية والحكومية، أي استقرار المؤسسات السياسية، والشفافية والأمن الخارجي... الخ.
وثانياً، الهيكل الاقتصادي وآفاق النمو أي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ونموه، والتنوع الاقتصادي، وما إلى ذلك. وثالثاً، يحتسب مجموع النقاط المتعلقة بالوضع الخارجي للبلد (السيولة الخارجية والموقف الخارجي في شكل عام).
ثم يقوّم رابعاً الوضع المالي أي المرونة المالية وعبء الديون وهيكلها. وأخيراً، الوضع النقدي أي دور السلطة النقدية والتنسيق المشترك للسياسة النقدية مع السياسة المالية.
لكن هذه المنهجية أظهرت إخفاقات في محطات كثيرة على مدى العقود الماضية، كان آخرها إبان الأزمة العالمية عام 2008. فمنذ بدء هذه الأزمة بذلت الدول في كل أنحاء العالم، بالتعاون في ما بينها، جهوداً كبيرة للتخفيف من انعكاسات الأزمة، على أمل أن يتعافى الاقتصاد العالمي المدمّر في أقرب وقت ممكن. ومع ذلك، تعرّض العالم للخطر مجدداً مع أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو.
ويشكل كل من الأزمة المالية وأزمة الديون اليونانية أزمات ائتمان، ناجمة عن عدم قدرة المدينين على الوفاء بالتزاماتهم المالية. وهنا يمكننا أن نشهد ظاهرة شائعة، وهي أن جميع المدينين المعنيين بالأزمة هم كيانات اقتصادية تتمتع بتصنيفات عالية، والتي من المفترض أن يكون لديها ملاءة قوية واحتمال ضعيف في عدم القدرة على السداد.
والسبب الرئيس للتوصل إلى تصنيفات غير دقيقة من قبل وكالات التصنيف الغربية، هو أنها تعمد إلى استخدام البنى الاجتماعية الغربية كمعيار لإعطاء الدرجات العالية.
فعلى سبيل المثال تعتبر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر أساس للمتانة الاقتصادية لدولة ما، بينما لا يعكس هذا المؤشر مستوى التنمية الاقتصادية والفوارق الكبيرة في توزيع الدخل.
كما يتجاهل هذا المؤشر حقيقة واضحة. فإذا كان الوضع المالي للبلد وآفاق نموه الاقتصادي مؤاتية جداً، فإن قدرته على الاقتراض والسداد يجب أن تعتبر قوية حتى لو أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي منخفضة نسبياً.
وتعتبر التصنيفات الغربية أيضاً القدرة على إعادة التمويل لسداد الديون القائمة، عاملاً أساساً في التصنيف بدلاً من التدفقات النقدية الجديدة.
وهذه المنهجية تدعم في شكل رئيس الدول الغربية باعتبار أن أكثر من 90 في المئة من مجموع الديون في العالم هي في البلدان المتقدمة، و8 في المئة فقط في البلدان النامية. وكذلك، تمثل المديونية الخارجية للبلدان المتقدمة 130 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما هي في البلدان النامية 21 في المئة فقط.
انطلاقاً مما سبق، نعتقد أن الأوان آن لقيام الحكومات الخليجية بالتحرك في شكل مشترك لإيجاد بديل معترف به دولياً لتصنيفات ديونها السيادية، تكون أكثر واقعية وإنصافاً لما تتمتع به من أوضاع مالية قوية.
وفي اعتقادي، عليها أن تعمل إما على تقوية دور الوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف التي تتخذ من البحرين مقراً، خصوصاً أن هذه الوكالة باتت تمتلك قدرات وإمكانات فنية كبيرة، وهي تقوم حالياً بالفعل بإصدار التصنيفات الائتمانية للحكومات والشركات الخليجية.
أو أن تقوم بتأسيس شركات تصنيف مشتركة مع مؤسسات التصنيف الدولية تكون أكثر تخصصاً في شؤون دول المنطقة وتعتمد منهجيات للتصنيف تأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية الخاصة بهذه الدول ولا تعمم منهجياتها الغربية عليها.
إن نجاح مثل هذه الخطوات يعتمد على شرطين رئيسيين. الشرط الأول هو أن تتبنى الحكومات والبنوك المركزية الخليجية هذه المؤسسات وتعطيها حق التصنيف، والاعتراف بتصنيفاتها الائتمانية كي تعطي صدقية للتصنيفات التي تصدرها. والشرط الثاني هو أن تقدم هذه الحكومات والبنوك الدعم لهذه المؤسسات وترعاها بخاصة في السنوات الأولى من تأسيسها.
ويجب ألا ننسى أن مؤسسات التصنيف العالمية مثل «ستاندرد أن بورز» مضى على تأسيسها 150 سنة، وهي حالياً متواجدة في 26 بلداً ويعمل لديها 1400 موظف، وأصدرت نحو 1.2 مليون تصنيف ائتماني سنوياً بقيمة إجمالية تعادل 47 تريليون دولار، بينما تفوق عائدات الشركة البليوني دولار.
لذلك، هناك حاجة ماسة لإنشاء مؤسسات تصنيف بديلة تعتمد منهجيات في التصنيف تأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية الخاصة بدول الخليج. كما لا ننفي الحاجة لأن تكون هذه المؤسسات قوية وتتمتع بكل القدرات والإمكانات الكبيرة التي تمتلكها مؤسسات التصنيف العالمية وأن تحقق ذلك في شكل تدريجي.
نقلا عن الحياة
تلك أمنية ولكنها صعبة التحقق !