في الأزمات أياً كان نوعها، تحتاج إلى شيئين مهمين لمعالجة الأزمة، خطة طوارئ وفريق عمل يخرجك موقتاً حتى تستطيع وضع الحلول ومعالجة القصور، ومن الواضح أن السعودية بدأت تفكر بصوت مسموع في ما يتعلق بإيجاد البديل عن النفط بالنسبة لمصادرها التمويلية، وهذا الأمر ليس عيباً ولا مخجلاً، فمعظم الدول تواجه أزمات وتعصف بها الأحداث، فدول أوروبا نفسها التي تعد دولاً اقتصادية وصناعية مرت عليها أوقات وقرون ظلت تعاني من اقتصادها، والتجارب والخطط الناجحة هي التي أوصلتها إلى هذه المكانة.
ومنذ تراجع أسعار النفط وانخفاض الطلب، أصبح المسؤولون والمجالس الاجتماعية لا ينفكون عن الحديث في كيفية تغطية الدولة للعجز الكبير في مداخيلها؟ وكيفية إنفاقها على مشاريعها؟ وكيف سيكون أداء المرافق الحكومية الخدمية، من مستشفيات وتعليم وتمويل صناعي وعقاري وبرامج تدريب، وغيرها من الخدمات، كل التطمينات التي صدرت حتى الآن من المسؤولين القياديين مفرحة، ولعل آخرها تلك التي صرح بها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لموقع بلومبرغ الإخباري الجمعة الماضي، إذ تحدث الأمير بوضوح كعادته وهذا هو ثاني تصريح أو حديث دولي للأمير خلال شهرين، كان الأول مع الإيكونوميست، مما يعني أهمية هذه التصريحات وقيمتها دولياً، وهي رسالة مهمة للمنظمات والهيئات المالية العالمية سواءً لمؤسسات التصنيف الائتماني أم للبنوك العالمية وصندوق النقد الدولي، وكلها إشارات واضحة أن السعودية لديها ملاءة مالية عالية، ولديها القدرة للخروج من هذه الأزمة ومعالجة الخلل.
حديث الأمير محمد بن سلمان هذه المرة حمل مفاجأة للمجتمع الدولي وهو أن السعودية بصدد إنشاء صندوق استثماري بقيمة تريليوني دولار لفترة ما بعد النفط، وسيتولى صندوق الاستثمارات العامة إدارة هذا الصندوق، وتحدث أيضاً عن طرح 5 في المئة من حصة أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العام. وأكد الأمير أن السعودية خلال 20 عاماً ستصبح دولة لا تعتمد على النفط.
الرؤية الاقتصادية التي طرحها الأمير الشاب مليئة، وتحمل الصورة الجديدة للسعودية في العقدين المقبلين، إنما يتطلب إلى خطة واضحة وطريق للسير عليه، وأيضاً تحتاج إلى أدوات للانتقال وتهيئة المجتمع.
ومراجعة الأنظمة القوانين والتشريعات، إما لتحديثها أو إزالة المعوقات بما يتماشى مع أسلوب العصر الحديث، وعلى رغم أن صندوق الاستثمارات العامة هو أكبر مالك في سوق الأسهم السعودية بحصة تصل إلى 20 في المئة، وقيمة سوقية تتجاوز أكثر من تريليوني ريال، وعلى رغم حجم المبالغ الضخمة التي يديرها الصندوق إلا أنه لا يزال يفتقد إلى التعامل بالشفافية والوضوح، وإعلان أرباحه من خلال نشر بيانات وأرقام موازنته، والحال نفسه ينطبق على المؤسسات الاستثمارية للدولة «التأمينات والتقاعد»، فهل هذه الصناديق - وأقصد هنا بالتحديد صندوق الاستثمارات العامة - سيستطيع إدارة محفظة مالية بهذا الحجم الكبير!
التجارب السابقة غير مشجعة لإسناد مهمات جديدة، ومن التجارب أيضاً إقحام كاهل الاقتصاد السعودي لمشاريع ضخمة لم نلمس ثمارها بشكل واضح يجعلنا نفكر في تكرارها أو تطويرها، وربما يكون سوء إدارة لهذه المشاريع هو الذي هوى بها إلى مستوى غير مربح، وأتحدث هنا عن المدن الاقتصادية، للأسف الشديد على رغم الأمنيات والطموحات التي رافقتها خلال إعلان هذه المشاريع وما ستضيفه للاقتصاد الوطني وما ستوفره من وظائف للسعوديين، الحقيقة كلها ذهبت سدى، حتى المساهمون في هذه الشركات لم يحصلوا على أرباح مجزية على رغم حماستهم الشديدة كان من المتوقع أن تولد هذه المدن أكثر من 700 ألف فرصة عمل، وكانت ستستقطب 200 بليون ريال استثمارات جديدة، فيما كان من المتوقع أن تحقق عوائد تصل إلى 600 بليون ريال خلال السنوات العشر، على سبيل المثال أين تقف الآن مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ومدينة المعرفة الاقتصادية وغيرها..، البعض يقول إن مساحة الأراضي لبعض المدن تحولت إلى مخططات عقارية، والبعض منها فضاء، وتعثرت أكثر من مرة نتيجة انتقال إدارتها من جهة إلى أخرى، فتاه المشروع، ويلوم الكثيرون أن القطاع الخاص أخفق في بناء المدن الاقتصادية ولم يتمكن من تشغيلها، ولا نعرف إن كان هناك إخفاق في بنائه أو تشغيله.
المرحلة المقبلة بحاجة إلى الكثير من التجارب والخبرات، وأيضاً فريق عمل مختص في التنبؤات الاقتصادية العالمية وتأثيراتها وانعكاساتها، والحديث بشفافية ووضوح ويضع المجتمع في الصورة الحقيقية للواقع، وليست تطمينات لا تمت للحقيقة، نحن لسنا منعزلين عن العالم وما يجري فيه.
قبل سنوات تأثرنا من ارتفاع أسعار الرز في الهند، وما سببه من ارتفاع نسبة الطبقة المتوسطة وارتفاع أجور العاملين في حقول الرز، وبعدها أزمة الرهن العقاري التي عصفت بالكثير من الأسواق، ونعيش قلق رفع الفائدة على الدولار الأميركي، فضلاً عن الأزمات السياسية المحيطة بنا، مما يعني أننا لسنا فقط أمام تراجع أسعار النفط، بل إننا أمام مجموعة من القضايا الاقتصادية، وعلينا أن نتجهز لها.
مفرح أن نفكر بصوت عال في حالات الطوارئ، ولعل من أبرزها تلك الأزمة التي اختلقتها وزارة المياه مع المواطنين بالعبث في فواتيرها، وهي أصلاً ليست مستعدة للانتقال للمرحلة المقبلة، فوصلت إلى أرقام خيالية، ثم يخرج بعد هذا وزير المياه بدلاً من أن يعتذر عن هذا الخطأ الفادح في تسجيل الفواتير أو منح فرصة للمواطنين للتكيف أو الاستعداد للمرحلة المقبلة، خرج ليسخر منهم ويتعامل بفوقية، من دون أن يهتم أن المرحلة الانتقالية تحتاج إلى خبرة وحنكة وطريقة إقناع المواطن، الذي تعود لعقود الخدمات الحكومية المجانية والمخفضة، يريد من الناس أن تعيش الواقع الجديد خلال 24 ساعة من صدور القرار.
يبقى القول إن السعوديين متحمسون للتجاوب مع المتغيرات الجديدة في الاقتصاد السعودي، وهم على ثقة وقناعة أن تترجم أفكار القيادة السعودية إلى واقع.
نقلا عن الحياة
بارك الله فيك ... كلمة الحق والرأي الصريح هو ما نحتاجه في هذه المرحلة الدقيقة فالمطبلون لمصالحهم اولاً هم الاكثرية هذه الايام !!