ثار اللغط مؤخراً على تعرفة المياه الجديدة بعد أن صدرت فواتير للعديد من المواطنين بمبالغ تصل إلى عشرات الآلاف من الريالات شهرياً بشكل أعاد لنا أحداث فواتير شركة الاتصالات السعودية قبل سنوات عندما ظهرت بأسعار غير منطقية اتضح لاحقاً أنها كانت بسبب مشكلة تقنية وتنظيمية في عملية الفوترة.
لا أستبعد أن تكون مسألة فواتير المياه الحالية عائدة إلى مشكلة تنظيمية وتقنية في عملية الفوترة، فبأي حال من الأحوال من غير المفترض أن يزيد متوسط فاتورة الماء الشهرية للأسرة السعودية عن 500 ريال بحسب التعرفة الجديدة، لأنه من غير المنطقي أن يتجاوز متوسط استهلاك الأسرة السعودية الشهري من الماء أكثر من 100 متر مكعب. لهذا لا أستبعد أن تكون هناك أخطاء كبيرة في فواتير الماء المصدرة من الوزارة مؤخرا مما يستدعي منها أن تعمل على حل المشكلة سريعا بدون أي تأخير وأن تعمل على ان تضع حقوق المواطن فوق أي اعتبار بخصوص هذه الأخطاء التقنية والتنظيمية.
بغض النظر عن هذه الأخطاء، لا يمكن أن نوجه اللوم إلى تعرفة المياه الجديدة بهذه الطريقة المجحفة فقد تم إقرارها لاعتبارات استراتيجية ووطنية، ففاتورة الدعم الحكومي تعتبر عبئا على تنمية الاقتصاد ورفاهيتنا، ولا يمكن تصور انعكاساتها الإيجابية في عدة كلمات ولكن سأستعرض معك أيها القارئ أهميتها ومقدار حاجتنا لها كمواطنين قبل أي أمر آخر.
فاتورة الدعم الحكومي للمياه وغيرها تصل إلى عشرات المليارات سنوياً من الميزانية الحكومية ولا يستفيد منها الاقتصاد لينمو بالشكل الذي ينعكس على رفاهية العيش لنا كمواطنين خاصة مع شح الموارد الطبيعية والمالية التي نعيشها. على سبيل المثال، ان افترضنا أن مبلغ الدعم الحكومي يصل إلى 50 مليار ريال سنويا لخدمات المياه والكهرباء، بخلاف فواتير الدعم الحكومي للقطاعات والخدمات الأخرى، إلى أين ستتجه بعد خفضها؟
حالياً، خدمة الانترنت في السعودية بشكل عام تعتبر أقل من مقبولة مقارنة بالدول الأخرى كأوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، فالكثير من المستخدمين يتصل بالانترنت عن طريق شرائح الجوال وليس عن طريق خطوط الاتصال الأرضية السريعة، إضافة إلى ارتفاع رسومها أيضا مقارنة بهذه الدول. شركات الاتصالات السعودية مطالبة بالربح لهذا لن تقوم بعمل استثمارات كافية في البنية التحتية للاتصالات بسبب تقلص أعمال القطاع، فكما نسمع مؤخرا موبايلي وزين تريد بيع اصولها الثابتة لخفض الاستهلاكات السنوية لينعكس على أرباحها بالزيادة.
مع توفر السيولة للميزانية الحكومية بعد خفض الدعم الحكومي، يمكن لمجلس الاقتصاد والتنمية مساعدة قطاع الاتصالات على التوسع بالصرف على بناء بنية تحتية للاتصالات جديدة وتأجيرها على شركات الاتصالات برسوم تجارية، فبهذه الطريقة تنخفض تكاليف الاتصالات وتصل خدمة الانترنت السريع لجميع المواطنين في مختلف مناطق المملكة. وتحسن هذه الخدمة سينعكس تدريجيا على الخدمات المقدمة للمواطن في كافة القطاعات الأخرى بحيث تنخفض التكلفة وتتحسن جودة الخدمات والمنتجات وبذلك تتحسن رفاهية العيش للمواطن، تماما كما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.
وكمثال آخر، يمكن إعادة توجيه الدعم الحكومي لتحسين جودة ونوعية وسائل المواصلات العامة بالاستثمار في بنيتها التحتية، مما يخفض تكلفة التنقل داخل وخارج المدينة، وبالتالي تزيد من رفاهية المواطن بجعله أكثر قدرة على الوصول لمختلف الوظائف وبأقل تكلفة، والوصول أيضا لأسواق مختلفة في المدينة يشغلها على سبيل المثال رواد أعمال سعوديون وأسر سعودية لا تستطيع تسويق منتجاتها لشريحة كبيرة من العملاء. كما أسلفت، تعرفة المياه الجديدة ليست السبب، المشكلة تكمن بشكل واضح في عملية إدارة الفوترة.
نقلا عن الرياض