تعرفة المياه الجديدة والمستهلك الرَشيد

29/03/2016 9
د. إحسان بوحليقة

تتجسد الحالة النمطية للاستخدام السكني للمياه بأسرة مكونة من ستة أفراد، يستهلك كل منهم 300 لتر يومياً، أي ان الاستهلاك الشهري لهذه الأسرة 54م3، بقيمة 146.25 ريال، موزعة على أربع شرائح من الشرائح الخمس من تعرفة المياه الجديدة.

فعلى الرغم من أن الأسرة نمطية من حيث العدد (6 أفراد، أي أب وأم وأربعة أبناء)، ونمطية من حيث الاستهلاك (300 لتر للفرد يومياً)، ومع ذلك فاستهلاكها يغطي أربع شرائح من الشرائح الخمس للتعرفة. ما المشكلة؟

التعرفة الحالية تصاعدية، وأساسها الشرائح، كل شريحة 15 مترا مكعبا؛ الشريحة الأولى 15 هللة م3 (مياه + صرف)، الشريحة الثانية 1.5 ريال م3، الثالثة 4.5 ريال م3، الرابعة 6 ريالات م3، والشريحة الأخيرة 9 ريالات (مياه + صرف) لكل م3 للاستهلاك الذي يزيد على 60م3. وهكذا، سنجد أن الأسرة ستدفع: 2.25 ريال لأول 15م3، 22.5 ريال لثاني 15م3، 67.5 ريال لثالث 15م3، و54 ريالا للتسعة أمتار مكعبة الأخيرة.

ما الذي على الأسرة فعله حتى تكون فاتورتها أقل من ريال في اليوم، والتي تقول التصريحات الرسمية إنها ضمن 52 بالمائة من الفواتير المصدرة؟ ستدفع 2.25 لأول 15م3، و8.5 م3 بسعر 1.5 ريال (الشريحة الثانية)، بمعنى أن استهلاك الأسرة يجب أن يقل عن 10.75م3 شهرياً، أي يقل عن 60 لترا يومياً للفرد، باعتبار أن الأسرة مكونة من ستة أشخاص. السؤال: ما السبيل لخفض معدل الاستهلاك من 300 لتر يومياً إلى نحو 60 لترا يومياً؟

الإجابة: التعرفة الجديدة تراهن على رفع السعر تصاعدياً بحِدةٍ؛ فسعر م3 في الشريحة الأولى عشر هللات زائداً خمس هللات للصرف، أي 15 هللة للمتر المكعب، تتضاعف عشرة أضعاف عند الانتقال من الشريحة الأولى للثانية، وتتضاعف ثلاثة أضعاف عند الانتقال من الثانية للثالثة، وضعفا ونصفا عند الانتقال من الثالثة للرابعة! أي أن القفزة «الأسية» التي من الصعب تفاديها هي عند الانتقال من الشريحة الأولى للثانية، عشرة أضعاف كاملة.

فهمي للرسالة التي تسعى هيكلة التعرفة الجديدة إرسالها للمستهلكين هي: ابقوا في الشريحة الأولى بحيث لا يزيد استهلاككم الشهري عن 15 متراً مكعباً، ماذا يعني هذا لأسرة من ستة أشخاص؟

ألا تستهلك الأسرة أكثر من نصف متر مكعب من الماء يومياً! أي أن معدل استهلاك الفرد لا يزيد على 83 لترا لأسرة مكونة من ستة أشخاص.

وهذا هو معدل استهلاك الفرد في ألمانيا مثلاً! وبيننا وبين ألمانيا من حيث استخدام المياه خرط القتاد! وكمواطن، لا اعتراض لدي بأن نخفض استهلاكنا من المياه وأن نسعى حثيثاً للترشيد، فما تحصل عليه ألمانيا من المياه بسهولة من أنهارها وبحيراتها، نحصل نحن عليه بإقامة محطات تحلية مليارية التكلفة ثم تنقل لمئات الكيلومترات عبر الصحاري والقفار، وترفع مئات الأمتار بمضخات من السواحل إلى الداخل.

هل الحل بأن ننصح المستهلك بأن يزيد عدد الوحدات حتى يبقى في الشريحة الأولى؟ هل ينسجم هذا مع الهدف المعلن رسمياً للتعرفة الجديدة وهو «الترشيد»؟ أبداً، بل يتعارض معه، فزيادة عدد الوحدات يعني أن يبقى نمطنا في استهلاك الماء كما هو، بأن نزيد عدد الوحدات.

ما الحل؟ اتباع منهجية علمية وعملية لتحقيق الترشيد، فنحن بحاجة له نتيجة لشح الماء الصالح للشرب في بلادنا، وتحقيقاً لمبدأ التنمية المستدامة، أي الحرص كذلك على تنمية الأجيال القادمة، فتنصيب المزيد من محطات التحلية ليس حلاً مستداماً، فهو يتطلب مليارات من الاستثمارات الرأسمالية ومليارات للتشغيل ومليارات تكلفة للطاقة التي تُشغل أبراج التحلية ومنظومتها للنقل.

نريد أن يتحقق الترشيد، ولكن ليس بأسلوب يعتمد على «شريحة ثانية» شاطحة، أو كأنها تضع «جداراً» فاصلاً حتى لا يزيد استهلاك الوحدة عن 15م3 كاستهلاك شهري، فإن زاد عن ذلك فالتكلفة عشرة أضعاف!

هنا يمكن المقارنة مع شرائح تعرفة الماء لعدد من البلدان، بالأمس حدثني زميل ولفت انتباهي لتعرفة المياه الجديدة في جمهورية مصر العربية، وهي «أجدّ» من تعرفتنا، وهي بالفعل سلسة، أي انها خالية من «الجدران»، وستجد سمة التدرج سائدة في تعرفة المياه للكثير من البلدان.

ونمط أن تكون الشريحة الأولى منخفضة التكلفة باعتبار أن استخدام الماء ضرورة، ولذا تجد أن 15 م3 الأولى تقل عن ثلاثة دولارات في العديد من الدول.

ولذات السبب، فإن تعرفة المياه الجديدة لدينا راعت هذا الجانب وزادت عليه، بأن جعلت تكلفة 15م3 الأولى تقل حتى عن دولار واحد.

ويبدو ضروريا اتخاذ خطوتين عمليتين لإيجاد بيئة مواتية للنجاح في تحقيق هدف أساسي وهو الترشيد. الخطوتان هما: (1) أن تؤهل الوزارة عدداً من المنشآت للكشف على استهلاك المنازل من المياه، ولتقوم بعمل دراسات مسحية ميدانية عن استهلاك المياه تغذي بها متخذي القرار من جهة، وتقدم خدمات للمستهلكين المشتكين من ارتفاع استهلاك المياه من جهة أخرى، وتنظر في حالات الخلاف بين الوزارة والمستهلكين في حال الاعتراض على الفواتير من جهة ثالثة.

ومهم أن تُقَدَم خدمات هذه الشركات المهنية المرخصة والمتخصصة مجاناً، بأن تتقاول معها الوزارة لتقديم خدماتها للعموم وفق إجراء مقنن. (2) تقديم حوافز لمن يُرَشّد استهلاكه من المياه، فمثلاً إن كان استخدم أسرة لشهر 120م3، ثم تقلص إلى 90م3 في الشهر الذي يليه، فيجب تحفيز هذه الأسرة بأن تحصل –مثلاً- على خصم أو مكافأة مادية من نوع أو آخر، والسبب أن هذه الأسرة بسلوكها تحقق الهدف الارتكازي للتعرفة وهو الترشيد، يجب أن تتصاعد الجوائز مع استمرار المستهلكين في الترشيد.

والمبرر لتقديم الخصومات (الجوائز المادية) هو أن الماء يُباع بخسارة مادية باعتبار ان سعر بيعه أقل من تكلفة انتاجه ونقله وتوزيعه، ومن هذا المنطلق فالحد من الاستهلاك يعني كذلك الحد من الخسارة، وهذا مكسب عظيم يستحق المكافأة، إضافة إلى أن تحفيز مستهلك الماء على الترشيد لا ينبغي أن يتمحور فقط حول «عصا» الفاتورة بل قد يكون أكثر فاعلية إن كان متوازناً مع «جزرة» مكافأة المستهلك الرشيد.

نقلا عن اليوم