يتساءل بعض القراء والزملاء عن الهندسة المالية، وعلاقتها بتطوير المنتجات التمويلية والمالية، ولذا فإن من المستحسن كتابة تعريف مختصر عن هذا المفهوم وسبب الحاجة لها.
إذ من الملاحظ أن الصناعة المالية تسابق الزمن في تطوير المنتجات التمويلية حسب حاجة السوق المتنامية، وفي الوقت ذاته؛ تحتاج المؤسسات التمويلية إلى كبح جماح الاندفاعية في التمويل بلا ضمانات كافية، وبطرق متهورة، فالميزان دقيق يحتاج إلى من يضبطه، ولا يكون ذلك إلا بجهد جماعي في صناعة المنتجات التمويلية والمالية القادرة على الوفاء باحتياجات السوق، دون الإضرار بمصالح المؤسسات المالية.
وقد استطاعت المؤسسات المالية الإسلامية في وقت وجيز أن تنافس بقوة، حتى إن المصارف العالمية بدأت في المنافسة بوضع نوافذ إسلامية نظراً لما تتميز به المنتجات التمويلية الإسلامي من بعد عن المخاطر بتحريم الغرر، والبعد الأخلاقي بتحريم الربا على المتعثرين عن السداد، وبعد اقتصادي بمنع القروض الربوي.
وقد برزت أهمية تطوير المنتجات في الآونة الأخيرة وكثرت المؤلفات فيها، إلا أن تأصيل الهندسة المالية وفق الصناعة المالية الإسلامية لم يحظ بكتابات كافية، ومن أهم الدراسات العلمية السابقة ما يأتي:
1-صناعة الهندسة المالية: نظرات في المنهج الإسلامي، للدكتور سامي السويلم. ديسمبر 2000م، بحث منشور في موقع الباحث.
2-الهندسة المالية الإسلامية، لعبدالكريم قندوز، نشر في مجلة جامعة الملك عبدالعزيز- الاقتصاد الإسلامي، م20ع2 ص 3-46 سنة 2007، ثم نشر بحثه كاملا بعنوان الهندسة المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق، وهو من إصدار دار الرسالة سنة 2008م.
3-الهندسة المالية بالتركيز على الخيارات نحو سوق مالي/مدخل إسلامي - هاشم فوزي العبادي-كلية الإدارة والاقتصاد / جامعة الكوفة.
4-الهندسة المالية للمصارف الإسلامية: مدخل الخيارات، لحسن كتبي.
ولا زال الموضوع بحاجة إلى بحث مع التركيز على الجوانب التطبيقية، وتقويم للمنتجات الحالية.
وتعرف الهندسة المالية بأنها: " التصميم والتطوير لأدوات وآليات مبتكرة وصياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل".
ويشير التعريف السابق إلى أن الهندسة المالية تتضمن ثلاثة أنواع من الأنشطة :
1- ابتكار أدوات مالية جديدة مثل بطاقات الائتمان.
2- ابتكار آليات تمويلية جديدة من شأنها تخفيض التكاليف كعمليات التبادل التجاري من خلال الشبكة العالمية والتجارة الالكترونية.
3- ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية مثل إدارة السيولة أو إدارة الائتمان .
وعرف (Chane) ”صاحب موسوعة المشتقات“ الهندسة المالية بأنها: ”عملية خلق منتجات مالية جديدة ... وهو الابتكار الذي أدى إلى تحسين فرص إدارة المخاطر".
وهناك تعريف للهندسة المالية من وجهة نظر الأسواق المالية لتحليل البيانات المحصلة من السوق المالية بطريقة علمية، وكثيرا ما تستخدم في عقود الخيارات وتجارة العملات والمستقبليات (قندوز: ص 9).
وتعرف الجمعية الدولية للمهندسين الماليين الهندسة المالية بأنها تتضمن التطوير والتطبيق المبتكر للنظرية المالية والأدوات المالية المعقدة لاستغلال الفرص المالية (قندوز ص 10).
وبهذا تشمل الهندسة المالية:
1-تطوير منتجات قائمة.
2-إيجاد حلول للمشاكل.
3-ابتكار منتجات لاستغلال فرص استثمارية.
ويعرف الدكتور السويلم الهندسة المالية بأنها ” المبادئ والأساليب اللازمة لتطوير حلول مالية مناسبة مبتكرة”.
وعليه يمكن تحديد مفهوم الهندسة المالية الإسلامية Islamic Financial Engineering بأنها مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، بالإضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل وكل ذلك في إطار موجهات الشرع الحنيف.
وقد ظهرت الهندسة المالية ( Financial Engineering) للوجود في منتصف الثمانينات بهدف عون وخدمة منشآت الأعمال في مواجهة المخاطر و التخلص من القيود التشريعية والضغوط التي يفرضها السوق وبيئة المنشآت.
ففي لندن عندما فتحت البنوك هناك إدارات لمساعدة منشآت الأعمال في مواجهة المخاطر التي يسببها لها عملائها وإيجاد حلول لتلك المشكلات وعدد من المحاولات لتطوير منتجات أسواق المال (Financial Market Products) كانت تلك بداية ظهور الهندسة المالية.
وفي عام 1992 أنشئ الاتحاد الدولي للمهندسين الماليين The International Association of Financial Engineering (IAFE) لرعايتهم والارتقاء بصناعة الهندسة المالية ، وأصبح هذا الاتحاد آلاف الأعضاء من شتى أنحاء العالم .
وآمل أن يكون في هذه النبذة المختصرة ما يوضح مفهوم الهندسة المالية، والتي أهملتها البنوك الخليجية كثيرا، وآن الأوان لأن تعيد النظر في موقفها من الابتكار بالاستفادة من القدرات المحلية التي جمعت بين الخبرة والمهارة.
مقال جميل
جميل ومفيد..جزاك الله خير