كيف نتفادى معضلة الديون السيادية

15/03/2016 4
د. فواز العلمي

عندما تعلو الأصوات المحذّرة من تفاقم الديون السيادية الناتجة عن تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي منذ عام 2008، نعتقد أننا نعيش اليوم في عالم غير مستقر، وأنه يتوجب علينا بيع كل ما نملك من الأسهم والعقارات لتسديد هذه الديون.

وعندما يرى البعض أن الأزمة المالية انطلقت هذه المرة من الصين وسط تراجع النمو الاقتصادي الصيني لعام 2015 إلى أدنى مستوياته منذ ربع قرن وبنسبة 6.9 %، نعتقد أن هذه الأزمة ستستمر لسنوات طويلة وقد تؤدي إلى انهيار الاقتصادات الناشئة بسبب ديونها السيادية المتراكمة. 

علينا أن نقتنع أولاً بأنه ليس بالضرورة أن يؤدي زيادة حجم الديون السيادية إلى الانهيار المالي للدولة.

فطالما أن اقتصاد هذه الدولة ينمو بصورة طبيعية فإنها ستتمكن من تسديد التزاماتها في مواعيدها دون متاعب، شرط ألا تسمح لديونها السيادية بالتضخم، لخطورة ذلك على نموها الاقتصادي على المدى الطويل، وزيادة احتمالات تعرضها للانهيار في حال الصدمات الاقتصادية المفاجئة.

في الأسبوع الماضي صدر تقرير التصنيف الدولي للديون السيادية في العالم ونسبتها من الناتج المحلي الإجمالي في كل دولة، الذي أثبت دون أدنى شك تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع حجم العائدات في معظم دول العالم، مما دعاها إلى الاستدانة لتمويل خدماتها الحكومية.

طبقاً للتقرير فإن ديون العالم السيادية قفزت منذ الأزمة المالية في عام 2008 بنحو 30 % من 70 تريليونا إلى 100 تريليون دولار في بداية عام 2016.

وفي الصين، ثاني أكبر اقتصادات العالم، تفاقم حجم إجمالي الديون تحت تأثير حجم القروض الممنوحة من خارج القطاع المصرفي الرسمي، أو ما يسمى بمصارف الظل، وأيضا بفعل تأثير المضاربة العقارية، لينتقل حجم الدين الصيني من 7 إلى 28 تريليون دولار.

وبينما احتلت اليابان المرتبة الأولى في نسبة ديونها السيادية إلى ناتجها المحلي الإجمالي لتفوق 230 %، جاءت اليونان في المرتبة الثانية بنسبة 177 %، وتبعتها لبنان بنسبة 134 %.

وأشار التقرير إلى أن المشكلة في تلك الدول لا تكمن في ارتفاع نسبة الدين وإنما في ضعف نموها الاقتصادي، فجميعها، باستثناء لبنان، تعاني من تباطؤ وانكماش معدلات النمو، وإذا استمر تراجع أدائها الاقتصادي فستعجز عن تسديد التزاماتها المالية، ما يهدد بإفلاسها على غرار ما حدث في اليونان.

وفي المقابل سجلت المملكة نسبة من الديون السيادية إلى ناتجها المحلي الإجمالي لا تتجاوز 5.1 % لتحتل مع دولة الإمارات وقطر ونيجيريا وروسيا وإندونيسيا والنرويج أقل المراتب في الدين العام بين دول العالم، وذلك بسبب امتلاك هذه الدول للموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي والتي تمثل مصدراً مستقراً للدخل.

كما احتلت المملكة المرتبة الثالثة في إجمالي الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبي بنسبة 5.2 %، وجاءت بعد الصين التي احتلت المرتبة الأولى عالمياً بنسبة 27 %، تلتها اليابان بنسبة 10.4 %.

لا شك أنه بعد مرور 8 سنوات منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008، يواصل الاقتصاد العالمي تعثره في عام 2016، حيث أكد تقرير الأمم المتحدة عن وضع الاقتصاد العالمي وتوقعاته لعام 2016، أن متوسط معدل النمو في الاقتصادات المتقدمة انحدر بما يتجاوز 54 % منذ اندلاع الأزمة، وبلغ عدد العاطلين عن العمل في الدول المتقدمة نحو 44 مليونا، بزيادة بلغت نحو 12 مليوناً عن عام 2007، في حين بلغ التضخم أدنى مستوياته منذ بداية الأزمة.

ولا شك أن تعرض الصين خلال العام الماضي إلى أدنى مستوى نمو اقتصادي منذ حوالى 25 سنة، وما تشهده هذه الدولة العظمى خلال العام الجاري من استمرار في ضعف المؤشرات الاقتصادية، ومنها هبوط عملتها وهروب الاستثمارات الأجنبية في العام المضي بمعدل 22 % وانخفاض أرباح الشركات الصناعية بحوالى 4.7 % في الشهر الماضي، أدى إلى هبوط مؤشر شنغهاي المركب وتراكم خسائره منذ بداية العام إلى أكثر من 22 %، مع انكماش القيمة السوقية للشركات المدرجة بأكثر من 1.8 تريليون دولار، مما دعا نائب مدير صندوق النقد الدولي إلى القول بأن: "صناع السياسات في العالم استنفدوا خيارات دعم الاقتصاد، أو فقدوا الإرادة للقيام بذلك، وهو ما يؤدي حالياً إلى الانخفاض والتقلبات في البورصات العالمية".

وإن كان تراجع أسعار النفط خلال العام الماضي يترجم بالفائض الإيجابي في النمو بنسبة 0.8 % في غالبية الاقتصادات المتقدمة التي تستورد النفط، إلا أنه سيترك أثراً سلبياً في اقتصاديات الدول المصدرة للنفط، وسيفاقم من ديونها السيادية، وهو ما سينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي واستقراره ونموه على المدى المتوسط.

وعندما توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العالمي بمعدل 3,1 % هذا العام و3,6 % في العام المقبل، أكد الصندوق أنه رغم ظهور بوادر الانتعاش في الدول الغنية، وعلى رأسها أميركا التي يتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة 2,8 % في 2016، إلا أن الاقتصاد العالمي يتجه إلى أسوأ عام له منذ الركود العالمي في 2009، بعد أن كان قد سجل نموا بنسبة 3,4 % العام الماضي، وذلك بسبب تباطؤ النمو في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.

وينعكس هذا التباطؤ في الاقتصاد الصيني، الذي يتوقع ألا يتجاوز نموه العام المقبل نسبة 6.3 % سلباً على الاقتصادات الناشئة الأخرى التي تعتمد على شهية العملاق الآسيوي للنفط والغاز.

تجنباً للصدمات الاقتصادية المفاجئة علينا زيادة نسبة النمو الاقتصادي في المملكة لتفادي معضلة الديون السيادية.

نقلا عن الوطن